في مدينة الأبيض سيدي الشيخ فرنسا وأول تجربة تنصيرية في التاريخ -الجزء التاسع والخمسون بعد المائة- بقلم: الطيب بن إبراهيم *وفد تفتيش من الفاتيكان إلى إرسالية الأبيض + صورة: المفتش البابوي للأبيض: هنري بروفوست لم تكن إرسالية إخوة يسوع الصغار بالأبيض خاضعة فقط للإدارات الكنسية المحلية بالمنطقة ولا الإدارة الجهوية الخاصة بالصحراء المقامة بغرداية ولا الإدارة المركزية بمدينة الجزائر بل كانت علاقاتها ومراسلاتها وزياراتها بالفاتيكان لا تقل عن علاقتها بالجهات الإدارية المحلية الأخرى وذلك لعدة اعتبارات على رأسها أنها صاحبة أول تجربة تنصيرية في التاريخ التي يراهن الجميع على نجاح تجربتها وثانيها شخصية رئيسها الأب روني فوايوم وعلاقاته القوية بالأوساط الكنسية بالفاتيكان بما فيهم البابوات وهو الذي وظف لاحقا هناك بروما. *المفتش البابوي هنري بروفوست المفتش البابوي الأب هنري بروفوست 1895 - 1983 فرنسي الجنسية لم يكن زائرا عاديا خاصا لإرسالية إخوة يسوع الصغار بالأبيض بل كان زائرا رسوليا رسميا وهو رجل محل ثقة للكرسي الرسولي كان يقوم بزيارات تفتيشية للإرساليات والمؤسسات الكنسية ويختم جولاته بكتابة تقارير تقييمية كان يرسله البابا لكل الدول الإفريقية الناطقة بالفرنسية. فالأب هنري بروفوست صاحب خبرة وتجربة ومحل ثقة البابا حيث سبق له أن التحق بالبعثات الخارجية منذ سنة 1912 ورسم قسا سنة 1921 ثم أرسل إلى الهند حيث مكث ستة عشر عاما قبل أن يعود لفرنسا سنة 1937. وعندما احتاج البابا سنة 1944 لمفتش بابوي كفء يزور الإرساليات الإفريقية الناطقة بالفرنسية اقترح عليه اسم الأب هنري بروفوست فتم اختياره للقيام بالمهمة وسافر لروما وكانت أول زيارة له قام بها لداكار عاصمة السنغال وعاد بتقرير قيم للبابا بيوس الثاني عشر حيث أعجب البابا كثيرا بتقريره لدرجة أن اقترح البابا على صاحب التقرير أن يُرقّى إلى رئيس أساقفة داكار لكنه اعتذر عن ذلك وعاد لفرنسا مع نهاية سنة 1946. *المفتش البابوي هنري بروفوست بالأبيض سيدي الشيخ إرسالية الأبيض سيدي الشيخ لم تكن إرسالية عادية فهي صاحبة التجربة الفريدة من نوعها وهي التي زارها أساقفة وقساوسة من عدة جهات من العالم فالفاتيكان أولى بزيارتها وتفتيشها والاطلاع على تجربتها ميدانيا ولم تكن زيارة الأب هنري بروفوست لها هي الأولى من نوعها من طرف الفاتيكان ولكن هي الأولى لها على مستوى مفتش بابوي خاص وهذا ما قام به الأب هنري بروفاست الذي أرسل من طرف الفاتيكان للقيام بزيارة ميدانية لبعض الإرساليات الإفريقية إذ زار ثماني عشرة دولة إفريقية كانت خاضعة للاحتلال الفرنسي بما في ذلك دولا عربية خاضعة للاحتلال الفرنسي هي: تونس المغرب وموريطانيا. كانت انطلاقة رحلة الأب هنري بروفوست التفتيشية من روما وكانت محطته الأولى هي الجزائر التي نزل بها ضيفا عزيزا عند الآباء البيض بالحراش. وانطلاقا من مدينة الجزائر حطّت الطائرة التي تقل المفتش الرسولي الأب هنري بروفوست بمدينة العين الصفراء المجاورة للأبيض سيدي الشيخ يوم الجمعة 6 سبتمبر سنة 1946 ليصل إلى مدينة الأبيض سيدي الشيخ يوم السبت 7 سبتمبر رفقة المحافظ الرسولي للصحراء الأسقف جورج مارسيي وفي اليوم الموالي الأحد 8 سبتمبر 1946 كانت الذكرى الثالثة عشرة لتأسيس إرسالية إخوة يسوع الصغار بالأبيض فشارك المفتش الرسولي رجال الإرسالية مناسبة احتفالهم بتأسيس إرساليتهم وقام بمهامه التفتيشية والتقى مع الإخوة المقيمين بالإرسالية للتكوين وتحاور معهم واطّلع في عين المكان على واقع الإرسالية ونشاطها وتجربتها ويوم الاثنين 9 سبتمبر سنة 1946 غادر المفتش البابوي مدينة الأبيض سيدي الشيخ على الساعة السادسة وعشرين دقيقة صباحا رفقة الضابط العسكري الذي كان برفقته لحمايته وكان راضيا ومرتاحا على الإرسالية وتجربتها ونظامها ونشاطها ورجالها. وما يلفت الانتباه أن زيارة المفتش البابوي لإرسالية الأبيض جاءت بعد ثلاثة أشهر فقط من زيارة رئيس الإرسالية الأب فوايوم وزميله المستشرق لويس غاردي للفاتيكان ولقائهما مع البابا بيوس الثاني عشر يوم الجمعة 17 ماي سنة 1946. وكذلك جاءت الزيارة بعد الموافقة على تأسيس إرسالية أخوات يسوع الصغيرات بالأبيض سيدي الشيخ وبعد شهرين من زيارة المفتش الرسولي لمدينة الأبيض انطلقت أشغال بناء إرسالية الأخوات في شهر نوفمبر سنة 1946. بعد زيارة وفد الفاتيكان وفي رسالة من المحافظ الرسولي الأسقف جورج مارسي صاحب العلاقة المميزة مع الأب فوايوم والذي كان مرافقا للوفد الزائر أرسل الأسقف مارسي رسالة للأب فوايوم بتاريخ 29 سبتمبر سنة 1946 يُقيِّم فيها نتائج زيارة المبعوث البابوي لإرسالية الأبيض ويطمئن صديقه فوايوم. استهل المحافظ الرسولي رسالته بالتأكيد على ارتياح المفتش البابوي الأب هنري بروفوست على وضع حال الإرسالية ونظامها والمقيمين بها. ومن خلال أسئلته لنزلاء الإرسالية لم يشتك له أحد من أي شيء رغم أن مبعوث الفاتيكان صُدِم لطعام رجال الإرسالية الفقير جدا حسب رسالة المحافظ الرسولي الأسقف مارسيي ليختم رسالته بشكر الأب فوايوم لما قام به من جهد أثناء استقبالهما وإقامتهما بالأبيض. وبناء على إعجاب مفتش الفاتيكان بإرسالية الأبيض وبتضحية رجالها يقول المحافظ الرسولي جورج مارسي: أن الفاتيكان سيقدم دعما لمطالب رجال الإرسالية (؟!) فما عليهم إلا الانتظار.