إن هذه الفتاوى الجاهلة الجريئة من أناس لم ترسخ أقدامهم في علوم الشريعة، هي التي تورد الأمة شر الموارد، وتوقعها في شر المهالك. ولقد قال بعض الفقهاء في العصور الماضية حين رأى فتاوى بعض من ينتسبون إلى العلم: لبعضُ من يفتي الناسَ اليوم أحق بالسجن من السرّاق! وذلك لأن السراق يفسدون دنيا الناس، وهؤلاء يفسدون عليهم دينهم. فكيف لو رأى أولئك الفقهاءُ ما نقرؤه أو نسمع من فتاوى زماننا؟ ولا حول ولا قوة إلا بالله. وعن الموضوع أيضاً، يقول الدكتور محمد عبد القادر أبو فارس أستاذ الشريعة بالأردن: العمل للإسلام من خلال جماعة واجبٌ شرعي.. على هذا قامت النصوص من الكتاب والسنة، فكما أن الكفر يُواجِه من خلال جماعة منظمة وتنظيمات قوية، يوالي بعضها بعضا لذا أوجب الإسلام على كل مسلم أن يواجه هذه التنظيمات الجاهلية بتنظيم قوي، يدافع عن الإسلام وعن أهل الإسلام.. وإذا لم يوجد هذا التنظيم فسيتعرّض المسلمون للفتنة في الدين؛ إذ يكون الكفار –الذين يوالي بعضهم بعضا، وينصر بعضهم بعضًا أقوى من المسلمين المتفرقين.. تأملي قوله تعالى: "والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير"، أي عليكم أن تواجهوا الكفار بتنظيم تتم فيه الموالاة والنصرة فيما بينكم ضد أولئك الكفار، فإذا لم تفعلوا ذلك فقد كنتم سببًا في فتنة المسلمين عن دينهم. ونجد أيضًا أن عمر يقول: "لا إسلام إلا بجماعة.. ولا جماعة إلا بإمارة.. ولا إمارة إلا بطاعة"، أي لا يتحقق الإسلامُ كما أراده الله إلا بجماعة، وهذه الجماعة الأصل فيها أن تكون لها قيادة -وهي الإمارة في قول عمر- وأن تحدد العلاقة بين الجماعة وقيادتها على أساس الطاعة، وهذا هو التنظيم. وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء بالسعودية ما يلي: وجود هذه الجماعات الإسلامية فيه خير للمسلمين، ولكن عليها أن تجتهد في إيضاح الحق مع دليله وأن لا تتنافر مع بعضها وأن تجتهد بالتعاون فيما بينها، وأن تحب إحداهما الأخرى، وتنصح لها وتنشر محاسنها وتحرص على ترك ما يشوش بينها وبين غيرها، ولا مانع أن تكون هناك جماعات إذا كانت تدعو إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وعليهم أن يترسموا طريق الحق ويطلبوه، وأن يسألوا أهل العلم فيما أشكل عليهم، وأن يتعاونوا مع الجماعات فيما ينفع المسلمين بالأدلة الشرعية، لا بالعنف ولا بالسخرية، ولكن بالكلمة الطيبة والأسلوب الحسن، وأن يكون السلف الصالح قدوتهم والحق دليلهم، وأن يهتموا بالعقيدة الصحيحة التي سار عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم. وكل من هذه الفرق فيها حق وباطل، وخطأ وصواب، وبعضها أقرب إلى الحق والصواب وأكثر خير وأعمُّ نفعاً من بعض، فعليك أن تتعاون مع كل منها على ما معها من الحق وتنصح لها فيما تراه خطأ، ودع ما يريبك إلى ما لا يريبك. كما أن كل من هذه الجماعات تدخل في الفرقة الناجية، إلا من أتى منهم بمكفر يخرج عن أصل الإيمان، لكنهم تتفاوت درجاتهم قوةً وضعفاً بقدر إصابتهم للحق وعملهم به وخطئهم في فهم الأدلة والعمل. فأهداهم أسعدهم بالدليل فهماً وعملاً. فاعرف وجهات نظرهم، وكن مع أتبعهم للحق وألزمهم له، ولا تبخس الآخرين إخوتهم في الإسلام، فترد عليهم ما أصابوا فيه من الحق، بل اتبع الحق حيثما كان ولو ظهر على لسان من يخالفك في بعض المسائل، فالحق رائد المؤمن، وقوة الدليل من الكتاب والسنة هي الفيصل بين الحق والباطل. والله أعلم. * وجود هذه الجماعات الإسلامية فيه خير للمسلمين، ولكن عليها أن تجتهد في إيضاح الحق مع دليله وأن لا تتنافر مع بعضها وأن تجتهد بالتعاون فيما بينها، وأن تحب إحداهما الأخرى، وتنصح لها وتنشر محاسنها وتحرص على ترك ما يشوش بينها وبين غيرها، ولا مانع أن تكون هناك جماعات إذا كانت تدعو إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.