أكّد فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة المشرف العام على مؤسسة »الإسلام اليوم« أن الأماني قد تكون في بعض الأحيان فرارًا من الواقع، مشيرًا إلى أن كثيرًا من الشباب تعلّقت أمانيهم بالأشياء المادية. وقال الشيخ سلمان في برنامج »الحياة كلمة«، والذي يبثّ على فضائية » ام بي سي « والتي جاءت تحت عنوان »أمنية« : »إن الإنسان عندما يتمنّى أشياء غير واقعية فإن هذا معناه أنه غير قادر على التكيّف مع واقعه أو استيعاب هذا الواقع وتقبّله، لذلك فهو يفرّ منه إلى عالم الخيال والأمنيات«، مشيرًا إلى أن الأمنية في هذه الحالة تصنع انفصامًا بين الإنسان وبين الواقع الذي يعيشه. - انفصال عن الواقع وأضاف الدكتور العودة أن الأماني إذا انفصلت عن الواقع تكون سيّئة لأنها تعبير عن عدم تكيّف وعدم القدرة على المواجهة والمقاومة، لافتًا إلى أن جماليات الحياة أحيانًا تكمن في الصبر والتضحية والمواجهة والتحدّي الذي يواجهه الإنسان ويصبر عليه حتى لو كان صغيرًا، فإنه في النّهاية سينتصر عليه أو يحقّق قدرًا من التوازن أو يتكيّف معه على الأقلّ. ولفت العودة الانتباه إلى أن الكثير من الشباب تعلّقت أمنياتهم بالأشياء المادية، فإذا شاهد سيّارة فارهة تمنّى أن يكون له مثلها، متسائلا: ما الذي يدريك أن هذه السيّارة قد يكون حتفك فيها؟ فكم من إنسان مات أو احترق أو أصيب بشلل بهذه السيّارة الفخمة الفارهة!، أو ترى فتاة قصرًا مشيّدًا فتتمنّى أن يكون هذا القصر لها، فهذا شيء جميل كمبدأ لا تعاب عليه، لكن على هذه الإنسانة أن تدرك أنه ربما تكون ساكنة هذا القصر ولا تشعر بالسعادة لأنها تعيش حالة من الفراق أو الاكتئاب أو الهجر أو البعد أو المشاكل التي تحول بينها وبين السعادة. - اعتدال في التمنّي وأوضح الشيخ سلمان أن اللّه سبحانه وتعالى عندما ذكر قصّة قارون: »قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ« (القصص: من الآية 79)، قال في النهاية: »وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ« (القصص: 82). وتابع: »أن الإنسان عليه إذا نظر إلى هذه الأشياء أن يبارك لأصحابها، وأن يدعو لهم، وألا يكون عنده حسد لهم، وإنما يغبطهم ويدعو لهم ويبرّك عليهم، وتكون أمنيته بحدّ الاعتدال«، وكما قيل: »رغيف خبز يابس تأكله في زاوية وكوب ماء بارد تشربه في عافية أحلى من الحياة في ظلّ القصور العالية«. وذكر الدكتور العودة أن الأصل في السعادة محلّها القلب والتلفّظ بها سنة، وعلى ذلك فإنه يحسن أن يقول الإنسان: »أنا سعيد أو أنا مبسوط«، مشيرًا إلى أن هذا من التحدّث بنعمة اللّه، يقول تعالى: »وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ« (الضحى: 11). وتابع: »ولذلك يمكن أن توجد السعادة في القصر وفي المكان الفخم وفي الوظيفة العالية ومع المال، وأيضًا تمامًا يمكن أن توجد السعادة مع الفقر ومع البساطة ومع البذاذة لأن القصّة هنا تعتمد على الرّضا«. - الحلم.. والتمنّي وفيما يتعلّق بالفرق بين الأمنية والحُلم، قال الشيخ سلمان: »بينهما تداخل، لكن الحلم هو شيء يتمنّاه الإنسان، وعلى سبيل المثال فقد كان حلم »مارتن لوثر« أن يكون أولاده الأربعة السود يعيشون في مجتمع لا يحكم على النّاس من خلال ألوانهم وإنما من خلال أدائهم، لكن الطموح هو طموح الشخص نحو شيء معيّن، مثل أن يكون هذا الشخص في رتبة ويطمح إلى ما فوقها أو ما يسمّى ب »التوق« وهو أن يكون الإنسان يتوق إلى شيء ما. وأضاف فضيلته: »لقد كان عمر بن عبد العزيز يقول: إن لي نفسًا توّاقة، أي تطمح إلى ما هو أعلى، فإذا حصل على شيء طمح إلى ما هو فوقه، وهو طموح منطقي ومعقول، أمّا الأمنية فيبدو أنها أوسع من ذلك لأنها قد تكون غالبًا لشيء ليس في مقدور الإنسان لكنه مجرد تمنّي إمّا أن يكون الشيء بعيدًا وإمّا أن يكون شيئًا أصلا غير ممكن، بل محالا: أتمنّى على الزمان محالا.. أن ترى مقلتاي طلعة حرّ«. وعلى ذلك، فإن التمنّي غالبًا يكون بشيء شديد البُعد أو يكون شيئًا أقرب ما يكون من المحال، كما أنه قد يكون لأشياء مذمومة أيضًا مثلما تجد في القرآن الكريم من نقد تمنّي النّاس لبعض الأشياء التي هي محلّ الذمّ والعيب والنّقد، لكن النّاس ينظرون إليها فيتمنّونها لأنهم يعتقدون أن صاحبها محظوظ. - أنواع التمنّي وأردف الدكتور العودة: إلى غير ذلك من الألفاظ والمصطلحات القرآنية، والتي من خلالها كثيرًا ما تكون الملاحظة أن التمنّي أنواع، منها: 1 تمنّي الإنسان لشيء غير محمود: مثل ما ذكره اللّه سبحانه وتعالى في قصّة قارون: »فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ« (القصص: 79). 2 تمنّي الأشياء التي ربما تكون غير مقدور عليها: وذلك كما في قوله سبحانه وتعالى: »وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ« (النساء: من الآية 32). 3 التمنّي المذموم: وهذا معنى مهمّ جدّا، وهو التمنّي الذي هو مجرّد كلمة، وعلى سبيل المثال فلقد وجدت في اجتماع اتحاد العلماء أن عددًا من الإخوة المداخلين أوّل ما يتكلّمون يقولون: »كنت أتمنّى«، ثمّ يأتي بشيء أسهل ما يكون أن يقوله الإنسان، لكن دائمًا تنفيذ الأشياء الجميلة ليس بسهولة الحديث عنها. - عقبات.. وموانع وذكر الشيخ سلمان أن هناك الكثير من العقبات والموانع والصعوبات التي تحول دون التنفيذ، فالقرآن الكريم يعيب على أولئك النّاس الذين تكون الأماني عندهم هي مجرّد كلمات يقولونها على ألسنتهم دون أن يكون لها نصيب من العمل أو التنفيذ، أو أن يكون لهم خارطة طريق في الوصول إلى تلك الأماني، أو أن تكون هذه الأماني هي عبارة عن ادّعاءات جوفاء مثلما ذكر اللّه سبحانه وتعالى عن اليهود: »وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ« (البقرة: من الآية111)، فأمانيهم أن الجنّة لا يدخلها إلاّ هم ادّعاء وهذا ليس خاصّا باليهود. وتابع فضيلته: ولذلك أكّد اللّه سبحانه وتعالى على هذا المعنى وقال: »لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ« (النساء: من الآية123)، لهذا قال بعدها: »مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ« (النساء: من الآية 123)، مشيرًا إلى أن الأمر مرتبط بالعمل وليس بالانتساب، فالأرض أو القبيلة لا تقدّس أحدًا وإنما يُقدّس الإنسان عمله. - الأمنية.. والخيال وردًّا على سؤال، يقول: ماذا عن ربط الأمنية بالخيال؟ قال الشيخ سلمان: إنه لابد للإنسان من أمنية جميلة، لكننا يجب أن نفرّق بين الأمنية المحمودة والأمنية المذمومة، فالغالب أن الأماني كما يقال: »الأماني رأس أموال المفاليس«، وأحيانًا تقول: إن الأماني جميلة، وكما يقول الشاعر: أَمانِيُّ مِن سُعدى عِذابٌ كَأَنَّما سَقَتنا بِها سُعدى عَلى ظَمَإٍ بَردا مُنىً إِن تَكُن حَقًّا تَكُن أَحسَنَ المُنى وَإِلّا فَقَد عِشنا بِها زَمَنًا رَغدا وأضاف فضيلته أن هناك أمنيات جميلة وواقعية يعيش الإنسان عليها ويحلم بها ويتمنّاها ويسعى إلى الوصول إليها، وهذا القدر مطلوب ومحمود، لكن أن تكون أماني الإنسان خيالات وأحلام وأشياء لا يوجد أيّ شيء يربطها بالواقع فهذا هو المذموم.