مع استعداد الفرنسيين لانطلاق الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية المقررة اعتبارا من 22 أفريل المقبل، والتي ستسبق الجولة الثانية المقررة في 6 ماي، تبرز هجرة المسلمين إلى (بلد الحريات) كقضية مركزية في الحملات الانتخابية للمرشحين المتنافسين على زعامة قصر (الإليزي)، ففيما يعلن الرئيس المنتهية ولايته والمرشح لولاية ثانية نيكولا ساركوزي رفضه ل(التعددية الثقافية)، منتقداً عدم قدرة المسلمين على الاندماج في المجتمع الفرنسي، يقترح منافسه الأقوى الاشتراكي فرنسوا هولاند (العفو) عن المهاجرين غير الشرعيين، والغالبية منهم مسلمة، بينما تتوعد المرشحة اليمنية ماري لوبان بالوقوف بوجه (أسلمة فرنسا)· وتثير مسألة اندماج المسلمين في المجتمع الفرنسي جدلا واسعا، كونها الدولة التي تحتضن أكبر عدد من السكان المسلمين من بين دول الاتحاد الأوروبي، إذ تشير الإحصاءات الصادرة عن مركز الأبحاث (أورو- إسلام إنفو) أن هناك ما بين 3و5 مليون مسلم يعيشون في فرنسا، منهم نحو 2مليون يحملون الجنسية الفرنسية، مع الإشارة إلى أنه لا تتوفر إحصاءات رسمية صادرة عن السلطات الفرنسية عن عدد المسلمين، لأن القانون الفرنسي يحظر التمييز بين المواطنين أو المقيمين وفقاً لعقيدتهم أو ديانتهم· ورغم أن القانون يحظر التمييز بين المواطنين الفرنسيين أو المهاجرين بحسب ديانتهم، إلا أن استطلاعات الرأي الفرنسية قبل أسابيع من موعد الانتخابات الرئاسية، تظهر قلق الملايين من الناخبين الفرنسيين من انتشار (المجتمعات الإسلامية المنفصلة) التي تحكمها الشريعة الإسلامية في المجتمع الفرنسي وانعكس على البرامج الانتخابية للمرشحين الثلاثة على مقعد الرئاسة لولاية تمتد إلى 5 سنوات· وهم: الرئيس المنتهية ولايته نيكولا ساركوزي والذي أظهرت استطلاعات الرأي الصادرة عن معهد (سونداج) الفرنسي في 17 فيفري تراجع شعبيته في وجه الخصم الأقوى المرشح للفوز فرنسوا هولاند الأمين العام السابق للحزب الاشتراكي، حيث نال هذا الأخير 29.5% في مقابل 26% لساركوزي· فيما تأتي في المرتبة الثالثة بنسبة 17% المرشحة ماري لوبان التي تخوض للمرة الأولى السباق الرئاسي، وهي تترأس الحزب اليميني المتطرف المدافع عن الهوية الوطنية بوجه (أسلمة فرنسا)· ساركوزي: فرنسا لا ترحب بمن لا يندمج وفي محاولة منه لكسب الناخبين الفرنسيين من أجل إعادة انتخابه لولاية رئاسية ثانية، ضمّن ساركوزي برنامج إعادة انتخابه قيودا على هجرة المسلمين، معلناً - في حديث نشرته صحيفة لوفيغارو10 فيفري الماضي- رفضه لدعوات منافسه الاشتراكي، هولاند، بإقرار عفو عن كل من المهاجرين غير الشرعيين، والذين يقدر عدد المسلمين بينهم ب 350000مسلم· وقال ساركوزي: (بكل وضوح أنا على خلاف هولاند، لست مؤيدا لتسوية وضع المهاجرين غير الشرعيين، لأن ذلك من شأنه أن يزيد من عدد طلبات العفو الجديدة)· هذا ووعد الرئيس الحالي ناخبيه بتعديل دستوري لتسهيل طرد المهاجرين غير الشرعيين وطالبي اللجوء، داعياً إلى تشديد الرقابة على الأجانب المقيمين ولو بصورة قانونية، مجاهراً أيضاً بعدم تأييده لخطة منافسه هولاند التي تسمح للمهاجرين المسلمين بالتصويت في الانتخابات المحلية، قائلاً (لم يحن بعد الحين لذلك·· فهناك مخاطر مصاحبة لتصاعد التعددية الثقافية)· ما أعلنه ساركوزي لم يفاجئ المتابعين، فالحكومة الفرنسية في عهده الحالي قامت بإصدار العديد من المراسيم التنفيذية التي تضيق الخناق على المسلمين، وهذا ما كتب عنه (سورين كيرن) المحلل السياسي في مجموعة الدراسات الإستراتيجية في مدريد، مشيراً - في مقال نشر له في 14 فيفري الحالي بعنوان (الإسلام يلوح في أفق الانتخابات الفرنسية)- إلى أنه في جانفي من العام الحالي، أقرت حكومة ساركوزي مرسوماً يجعل من الصعب على المهاجرين المسلمين الحصول على الجنسية الفرنسية، وذلك بعد فرض شروط قاسية من بينها فرض اختبارات للمتقدمين للجنسية الفرنسية في كل من الثقافة الفرنسية والتاريخ، وإتقان اللغة الفرنسية كاللغة الأم، بالإضافة إلى إلزام التوقيع على ميثاق جديد يوضِّح الحقوق والواجبات الاجتماعية والتي قد تتعارض بنظر البعض مع الشريعة الإسلامية· تعهدات ساركوزي في هذا الشأن لم تتناقض وسياسة حكومته الحالية، ففي سبتمبر 2011، أصدرت الحكومة الفرنسية مرسوماً يمنع المسلمين من أداء الصلاة في الشوارع· وجاء الحظر كرد فعل من ساركوزي على تزايد الغضب الشعبي بسبب تنامي ظاهرة صلاة المسلمين في الشوارع، وحينها بررت الحكومة هذه التدابير بقولها إن صلاة الجمعة (تحاصر غير المسلمين في منازلهم وفي مكاتبهم، كما أنها تقوض قدرة الدولة الفرنسية العلمانية التي تفصل بين الدين والدولة)· هذا وقد شهدت فرنسا جدلا واسعا في أفريل 2011، يتعلق بقانون (حظر البرقع في جميع الأماكن العامة) في البلاد· ومن أقوى التصريحات التي وجهها ساركوزي للمسلمين، كانت في فبراير 2011، حين قال في مقابلة بثتها القناة الأولى في التلفزيون الفرنسي (لا أريد مجتمعا فيه مجتمعات تتعايش جنبا إلى جنب·· فرنسا لن ترحب بالناس الذين لا يوافقون على أن يذوبوا في مجتمع واحد· نحن كنا مشغولين بهوية هؤلاء، وليس الانشغال بما فيه الكفاية بهوية الدولة التي استقبلتهم)· هولاند·· وجه آخر للرئاسة لقضية المسلمين والمهاجرين غير الشرعيين حضورها كذلك في البرنامج الانتخابي للمنافس الأقوى فرنسوا هولاند، فمن بين 60 بنداًُ تضمنها برنامجه، تعهد المرشح الاشتراكي بانتهاج سياسة تسودها المساواة والعدالة بين جميع المواطنين ويحترم فيها الجميع القوانين، مشددا على ذلك (مهما كانت مكانتهم الاجتماعية أو السياسية، بعيدا عن الديماغوجية والعنف السياسي)، كما تعهد بإدخال احترام قانون 1905 الذي يضمن مبدأ الفصل بين الدين والدولة في الدستور الفرنسي، مع إعلانه عن إمكانية إصدار عفو رئاسي عن كل من المهاجرين غير الشرعيين وغالبيتهم من المسلمين، مقترحاً الشروع في مناقشة مشروع قانون يسمح للمهاجرين بانتخاب المجالس المحلية· ويقدّم هولاند نفسه على أنه (مرشح الاحترام والحوار والديمقراطية الذي سيعطي وجها آخر لرئاسة الجمهورية)، وهذا ما حاول التعبير عنه من خلال مشاركته في مراسم ذكرى مذبحة الجزائريين في باريس يوم 17 أكتوبر الفارط، حاملا بيده وردة على غرار ما فعل الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا ميتران عام 1981، مع ما لذلك من دلالات، من ورائها كسب أصوات نحو 900 ألف ناخب من أصول جزائرية· وغالباً ما انتقد هولاند، تصريحات وزير الداخلية كلود غيون _ المقرب من ساركوزي- المناهضة للمسلمين، فحين أعرب غيون عن خوفه من تزايد عدد المسلمين في فرنسا، واصفاّ ذلك ب(المشكلة)، رد هولاند عليه بالقول: (في كل مرة يدلي كلود غيان بتصريح منذ تعيينه وزيرا للداخلية يحصل جدل·· فالتحدث عن المسلمين هو شغله الشاغل)، منتقدا أداء وزير الداخلية الذي يميز بين المواطنين الفرنسيين على أساس معتقداتهم، وهو ما يرفضه الدستور الفرنسي· مقابل زج قضية المسلمين في المنافسة السياسية، يعلو صوت المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، والذي طالب مرشحي الانتخابات الرئاسية الفرنسية بعدم استخدام الشعارات الدينية في الدعاية الانتخابية، فقد حذر رئيس المجلس محمد موسوي في أكثر من مناسبة من اتخاذ المسلمين (مطية لتحقيق مآرب انتخابية)، مشددا على أن الحملات الانتخابية ينبغي أن تركز على عدد من الأولويات السياسية التي تهم كافة المواطنين بصرف النظر عن الديانة والعقيدة·· وهو ما يلزمه القانون الانتخابي الفرنسي والدستور· * غالباً ما انتقد هولاند، تصريحات وزير الداخلية كلود غيون _ المقرب من ساركوزي- المناهضة للمسلمين، فحين أعرب غيون عن خوفه من تزايد عدد المسلمين في فرنسا، واصفاّ ذلك ب(المشكلة)، رد هولاند عليه بالقول: (في كل مرة يدلي كلود غيان بتصريح منذ تعيينه وزيرا للداخلية يحصل جدل·· فالتحدث عن المسلمين هو شغله الشاغل)، منتقدا أداء وزير الداخلية الذي يميز بين المواطنين الفرنسيين على أساس معتقداتهم، وهو ما يرفضه الدستور الفرنسي·