يحتفل الجزائريون بحلول الشهر الفضيل شهر رمضان المبارك كسائر البلاد الإسلامية بعد أن انتظروه على مدى الشهور الماضية، فكثر الحديث عن صعوبة صيامه وقيامه لتزامنه مع شهري جويلية وأوت، أكثر أشهر فصل الصيف حرارة. وبدورهم كان التجّار أبطالا لفترة ما قبل رمضان، فصنعوا الإثارة بأسعار متضاربة أمام جشع كثير من المواطنين الذين حاولوا مقاطعة المنتوجات الاستهلاكية. كما عرفت عملية توزيع قفّة رمضان ضجّة كبيرة وتغطية إعلامية ووعودا وزارية كبيرة منذ أكثر من شهر مضى، لتأتي برامج رمضان فتطغى على أحاديث العام والخاص من المواطنين والإعلاميين والفنّانين فأثارت الشبكة البرامجية الرّمضانية زوبعة كبيرة كان بطلها مسلسل (عمر الفاروق) الذي كانت أحاديث العلماء بضرورة مقاطعته أحسن إشهار له ليدخل الكثيرون في حالة ترقّب لعرضه. رمضان خير شهور السنة وأفضلها أجرا وأكثرها مغفرة وأعمّها فضلا من سائر الشهور، فيه أنزل القرآن وفيه تصفّد الشياطين ليتفرّغ المسلمون فيه للعبادات والطاعات التي قد تكون غفرانا لكلّ الذنوب التي ارتكبها العباد في سائر أيّام السنة، قيم وتعاليم يعرفها ويتناقلها الجزائريون من الأئمة في المساجد في آخر جمعة تسبق شهر رمضان من كلّ سنة، فترى بعضهم يهبّ لتجديد النّفوس ومحاولة العودة إلى اللّه قبل حلول شهر الرّحمة والمغفرة ليذهب آخرون إلى تعبئة لوائح التلفزيون بالقنوات الدينية مستشعرين ما لهذا الشهر من قدسية من الواجب احترامها، وحتى المساجد تتزيّن بأبهى الحلل عشية رؤية الهلال وكأنّي بالجميع يرحّب بهذا الشهر الفضيل الذي يعتبره المسلمون عيدا من الواجب أن يستقبل أحسن استقبال، أمّا عن طريقة استقباله وإحيائه ففي بعض هذا ما يدمي القلوب قبل العيون. فقد اختار البعض أن يأتي بسيرة رمضان عبر آخر ما جادت به أيدي الطهاة وآخر ما تفنّن به صنّاع الأواني، فذاك ما تحترفه النّساء اللواتي يجدن في تنظيف البيوت وتلميع الأواني واقتناء أدوات المطبخ وسيلة ترحيبية لا تفوقها وسيلة. شهر للرّحمة والمغفرة يختاره بعض التجّار محطّة للرّبح السريع والوفير دون اعتبار لأخلاقيات المسلم أوّلا والمهنة ثانيا، فتجد الحديث عن أسعار الخضر واللّحوم من الأحاديث الدسمة التي يكثر تداولها في المقاهي والبيوت فيسارع المواطنون إلى الأسواق وكأنّي بهذه المواد تعيش آخر أيّامها، فيساعد هذا الجشع في ارتفاع أكثر لأسعارها لتجد بعضهم يقتني الكثير منها متناسيا أن هذا ما هو إلاّ وسيلة للاحتكار والجشع وما نلاحظه من أحداث في ما يعرف ب (السويقة) إلاّ دليل على هذا ولتوزيع قفّة رمضان شأن آخر تترجمه الطوابير التي تنتظر ما تجود به دار البلدية عليها من منتوجات تحدث بدورها جدلا، فمنها ما لا حاجة إلى المواطنين بها ومنها ما تكون نوعيتها الرديئة حائلة دون استعمالها، ومن المواطنين من يتحدّث عن نقص في بعض المنتوجات التي كان من المفترض أن تتوفّر عليه كلّ قفّة لتبدأ علامات الاستفهام: إلى أين ذهبت هذه المنتوجات؟ وأسئلة أخرى، بل وشكوك عن استيلاء بعض المسؤولين عليها. ولأن الجشع هوالميزة الغالبة ليس عند تجّار الخضر واللّحوم فقط، بل حتى عند تجّار التلفزيون والقنوات فإن الشبكة البرامجية الرّمضانية هي الأخرى تأخذ ما تبقّى من اهتمام المواطنين، فتجد حديث النّساء عن آخر المسلسلات وآخر ما جادت به قرائح المخرجين والممثّلين لتأخذ كلّ أنواع وجنسيات الدراما هذا الاهتمام، فتجد بعضهم يرسم خطّة لما سيتابعه في رمضان نظرا لكون المائدة دسمة بكلّ أنواع المسلسلات التي تتجاوزها للعري والخلاعة أحيانا وفي بعض المسلسلات. كما صنعت جدلية تصوير الصحابة من المبشّرين بالجنّة (رضوان اللّه عليهم) الكثير من هذا الحديث بعد عرض الإعلان الإشهاري لمسلسل (عمر الفاروق) الذي صنع الحدث وبات الكثيرون ينتظرون عرضه رغبة منهم في اكتشاف سيّدنا الفاروق وأن الكتب لم تعد كافية حتى ترى أجيالنا صورا للصحابة تتمثّل في ممثّلين تعوّدوا عليهم في أدوار قتلة ومجرمين أحيانا ليعودوا هذه المرّة في صورة صحابة مؤمنين. ومع اقتراب أذان المغرب قد يبدأ استعداد البعض لصلاة التراويح بعد سيجارة طال انتظارها، وبين هذا وهذا يعيش كثيرون رمضان ككلّ الرمضانات بالفطرة والرّوتين والعادات غير آبهين بقدسية هذا الشهر، ليعود البعض للتدخين صباح عيد الفطر وآخرون لترك الصلاة مباشرة بعد صلاة العيد بعد أن حفظت طرق المساجد خطواتهم في رمضان، ليكتسي الإسلام في ثقافة بعض الجزائريين طابعا مناسباتيا نسأل اللّه عليه المغفرة وصح فطوركم جميعا.