قد تقفز في رأسك صورة لك وأنت تحمل فرشاة دهان تنقلها بين أوعية مختلفة من الصبغ، ثم تضعها على وجهك ويدك وجسمك. ولعل هذه الصورة الطريفة ستضحكك، ولكن المعنى الذي نقصده هو أصباغ الطعام التي توجد في المشروبات والمأكولات. وتعتبر الأصباغ والملونات الغذائية إحدى أهم الاكتشافات الكيمياوية التي أحدثت نقلة نوعية في مجال الصناعات الغذائية، وأدت لنشوء منتجات ما كنا لنسمع بها من قبل، كحلوى الجيلاتين ومسحوق الشراب. وتكثر في رمضان الأطعمة الغنية بالأصباغ كالعصائر والحلويات ومثلجات الشراب والتي يزداد الإقبال عليها أيضا بسبب فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة، ولذلك فقد يدفعك هذا الأمر من غير أن تنتبه إلى تناول كميات كبيرة منها. وبالرغم من أنه لا توجد أدلة قاطعة على أن أصباغ الطعام والنكهات الصناعية المسموح بإضافتها من قبل المنظمات الصحية والحكومية الدولية لها آثار سلبية على الصحة، إلا أن العديد من الخبراء يستندون إلى دراسات أجريت على الحيوانات وربطتها بالعديد من المخاطر الصحية، والتي تشمل الإصابة بالأورام السرطانية والحساسية، كما يعتقد البعض بوجود تأثير لها على سلوك الطفل وإصابته بفرط النشاط. ومع أنه لا توجد توصيات حاسمة حول الأصباغ، إلا أن المخاوف السالفة يجب أن تطرح ويكون المستهلك على علم بها. ويوجد سبب آخر يدفع للقلق من الأغذية التي تحتوي على الأصباغ، وهو فقر محتواها الغذائي. فعادة ما تضاف الأصباغ والنكهات الصناعية لمسحوق الشراب الذي يحتوي على السكر وحمض الليمون، وبالتالي فهي وسيلة لتعويض طعم ضعيف أو غير موجود من الأصل. وكذلك بالنسبة للجيلي ومثلجات الشراب (بوظة تصنع من الماء والسكر وصبغة ملونة كالأحمر أو غيره من الألوان ونكهة صناعية). وحتى العصائر التي يكتب عليها (طبيعية) يعتقد أنها يضاف إليها أصباغ صناعية للحفاظ على لونها وتعزيزه وجعله أكثر جاذبية للمستهلك. ولا بد أنك تساءلت عن سر لون عصير الفواكه الموجود في المتاجر، إذ هل من المعقول أن يكون عصير البرتقال أو المانجا بهذا اللون الفاقع المتوهج كمادة مشعة؟! وهل هذا هو اللون الطبيعي؟! ولذلك فأنت تجده يختلف عن العصير الطبيعي الذي تصنعه في المنزل والذي يكون لونه أقل حدة وأكثر اعتدالا. أما الأشربة الرمضانية كالتمر الهندي وعرق السوس التي تشترى جاهزة ومحضرة من المحلات فقد يضاف إليها صبغة ونكهة، وذلك لتعزيز المذاق وتقوية اللون، بالإضافة لتخفيض كلفة التحضير، إذ إن النكهات الصناعية المركزة تحضر كميات كبيرة من المشروبات بكلفة قليلة مقارنة مع المنقوع الطبيعي للمشروب كالتمر الهندي مثلا. وتوجد الأصباغ أيضا في التسالي، كرقائق الذرة (الشيبس) المنكّهة وحبوب الإفطار الملونة، وهي وسيلة أيضا لجذب انتباه الصغار وتحفيزهم على شراء المنتج. وعادة ما توجد الأصباغ الصناعية والنكهات في الأطعمة والمشروبات مترافقة مع السكر والأحماض وبخاصة حمض الليمون، مثل العصير والمثلجات، ولذلك فهي تزيد من احتمالية تعرض الأسنان للتسوس والتآكل الحمضي الناجمة عن الأحماض في الطعام. ويجب عليك أن تتذكر أن الطعام الشهي لا يحتاج للكثير من التوابل، وكذلك الغذاء المفيد لا يحتاج للأصباغ والملونات التي تهدف لإعطائه قيمة غير حقيقية وتعوض (نفسيا) عن افتقاده للقيمة الغذائية. ولذلك فإن التعامل الصحيح مع الأصباغ هو تقليل تناولها للحد الأدنى أو إيقافه، وذلك عبر خطوات سهلة منها: ابتعد عن العصائر الجاهزة، وحضر العصير في المنزل. اعصر البرتقال والتفاح على عصارة الفواكه واشرب العصير مباشرة، فعندما تتركه لفترة فإنه يتأكسد وتنخفض قيمته الغذائية. الأفضل من تحضير العصير هو تناول الفواكه كاملة بأليافها المغذية التي تساعدك على الشبع ويعتقد بدورها في تخفيض معدلات الإصابة بداء السكري والسرطانات. حاول تحضير المشروبات الرمضانية في المنزل كالتمر الهندي والعرق سوس، ولا تشترها من الخارج، ومع أن الأمر قد يحتاج إلى بعض الجهد الإضافي، إلا أن صحتك وصحة عائلتك تستحق ذلك. حضر البوظة في المنزل باستعمال العصير الطبيعي الذي سبق أن عصرته، أو عبر خفق لب الفاكهة كالمانجا مع كريمة الحليب قليل الدسم وضعها في الثلاجة، ولا تضف السكر، إذ تحتوي الفاكهة عليه ولا حاجة للمزيد منه. قلل من استعمال الصلصات الجاهزة، فهي غنية بالصوديوم الذي قد يرفع مخاطر مرض ارتفاع ضغط الدم والنوبات القلبية، كما أنها تحتوي على الأصباغ والنكهات الصناعية واستعض عنها بالصلصات التي تحضرها بنفسك في المنزل.