تراهن إسرائيل على تشويه الهوية الوطنية والقومية للأجيال الناشئة بالقدسالمحتلة، وذلك بفرض سيادتها على المدارس بمختلف المراحل ومحاصرتها والتحكم فيها، بشروعها مع بداية العام الدراسي الحالي بتطبيق منهاج التعليم الإسرائيلي في خمس مدارس كخطوة أولى لتعميمه على جميع المدارس وشطب المنهاج الفلسطيني. ويسلط منهاج (التعليم العربي الإسرائيلي) -من خلال كتب التاريخ والمدنيات والموطن والجغرافيا- الضوء على قيادات الحركة الصهيونية ويصفها (بالطلائعية والمحاربة)، مع التركيز على (يهودية الدولة) بتوثيق تاريخ الشعب اليهودي والتوراة، والتباهي بالنظام الديمقراطي الذي يعتمد على الهوية والقومية والإيديولوجية اليهودية. وخلافا لمنهاج التعليم العبري -الذي يهدف لحقن القيم اليهودية والصهيونية والقومية للطالب اليهودي- فإن منهاج (التعليم العربي الإسرائيلي) الذي فُرض بالقدسالمحتلة ويُطبق -منذ سنوات- أيضا بمدارس الداخل الفلسطيني، يشكل آلية لزعزعة مكانة اللغة العربية وتفتيت الهوية الجماعية للفلسطينيين، وصقل شخصية (مواطن عربي إسرائيلي) تكون مهجنة ومهادنة، تتعايش مع الرواية الصهيونية وتقبل خطاب (يهودية الدولة). وتتنكر كتب التدريس للوجود الفلسطيني بالمدينة من خلال طمس القيم الوطنية والقومية العربية وفرض الرواية الإسرائيلية التي تعتبر القدس الموحدة (عاصمة للشعب اليهودي)، مع حذف المصطلحات التي تمجد وتبرز الرواية الفلسطينية، واعتماد مصطلح (حرب التحرير والاستقلال) بدل النكبة، وإنكار الجغرافيا العربية بعبرنة المكان بمصطلح (أرض إسرائيل(. وبغية العودة للمنهاج الفلسطيني وتثبيته، تواصل الفعاليات الشعبية والوطنية -بالتنسيق مع لجان أمور الطلاب بمدارس المدينة- نضالها لإفشال مخطط الاحتلال الذي يدعو للانتماء وتعزيز الصلة والولاء إلى إسرائيل والاعتراف بها (كدولة يهودية) ويستهدف نحو مائة ألف طالب. واستعرض المهندس عبد الكريم لافي رئيس اتحاد لجان أولياء أمور الطلاب بمدارس القدس محاولات الاحتلال فرض منهاج (التعليم العربي الإسرائيلي) على المقدسيين فور احتلال المدينة عام 1967، سعيا لتكريس التبعية، وقد تم حينها إلغاء منهاج التعليم الأردني. إلا أن الأهالي -حسب لافي- (رفضوا التعاطي معه وسحبوا أولادهم من المدارس)، لتضطر سلطات الاحتلال في العام 1974 إلى إعادة الوضع لسابق عهده، لكن ليس قبل أن تفرض سيادتها الإدارية وتتحكم بمنظومة البنى التحتية لحوالي 58 % من المدارس. وشكل التوقيع على اتفاقية أوسلو -حسب لافي- (نقطة تحول لدى إسرائيل التي لمست أن اعتماد منهاج التعليم الفلسطيني بمدارس القدس بعد فشلها بتحريفه ساهم في تعزيز الهوية الوطنية والقومية والانتماء لدى الطلاب، لتفرض المنهاج الإسرائيلي بهدف شطب الوجود الفلسطيني وتشويه الهوية الجماعية للمقدسيين). وحذر لافي من وقوع المجتمع المقدسي بفخ التضليل والإغراءات المالية الإسرائيلية للطلاب والمدارس، التي تعاني إهمالا بسب قيود الاحتلال على جهاز التعليم بالمدينة الذي تنقصه 1200 غرفة مدرسية مما تسبب في حرمان قرابة عشرة آلاف طالب من التعليم. ودعا السلطة الفلسطينية إلى دعم مدارس القدس ومنح أفضلية لطلاب التوجيهي، بمساعدتهم على الانخراط في التعليم الأكاديمي بالضفة الغربية أو بالجامعات العربية والعالمية. بدوره، أوضح مدير معهد المسار للأبحاث الاجتماعية الدكتور خالد أبو عصبة أن منهاج التعليم الإسرائيلي المذكور سبق وتم فرضه على مدارس الداخل الفلسطيني، وما زال يحظى بمعارضة ويواجه حراكا شعبيا يدعو لإجراء تعديلات عليه تتماشى مع المطلب الرئيسي لفلسطينيي 48 بالحصول على استقلال ذاتي تربوي وثقافي لضمان مستقبلهم وحفاظا على هويتهم الوطنية والقومية والدينية. وكشف أبو عصبة أن دراسة بحثية يقوم بتحضيرها بينت أن السلطة الفلسطينية مقصرة بقبولها فرض الواقع الاحتلالي والتهويدي على جهاز التعليم بالقدس، حيث قامت بموجب اتفاقية أوسلو بإجراء تعديلات على منهاج التعليم الفلسطيني، وقد برزت التغييرات بالمصطلحات المتعلقة بجوهر الصراع. وبالمقابل، يؤكد أبو عصبة أن نتائج البحث (دلت على أن إسرائيل رفضت إحداث تغييرات بمنهاج التعليم بما يتماشى والتطلع نحو السلام والمصالحة، بل كرست يهودية الدولة في منهاج التعليم بمختلف المراحل والمدارس الإسرائيلية وضمنها مدارس الداخل الفلسطيني). وتساءل أبو عصبة (كيف يمكن فرض منهاج التعليم الإسرائيلي على أناس لا يحملون الهوية أو المواطنة؟)، مبينا أن عدم وجود هوية ومواطنة يؤثر سلبا على صياغة الهوية الوطنية والقومية، وهو ما سيؤدي لخلق "جيل هلامي" يعيش بمنطقة جغرافية يبحث عن لقمة العيش دون أن تكون له أي علاقة بالمكان أو انتماء لأي شعب. وخلص إلى القول إن (إسرائيل لا تريد منح المواطنة للمقدسيين وتهدف بفرضها منهاج التعليم الإسرائيلي إلى محاصرة السكان الأصليين ليعيشوا بغربة قد تدفعهم إلى الرحيل).