وضع (جارنا الملك) محمد السادس، عاهل المملكة المغربية، نفسه في ورطة حقيقية بعد أن رفع سقف تطاوله على الجزائر بإطلاق اتّهامات جزافية بطريقة فيها كثير من التحامل والاستفزاز وكأنه لم يكن يسعى فقط لمواصلة إلهاء شعبه بحرب وهمية مع جارته الشرقية، بل يحاول أيضا محو قائمة طويلة من الفضائح التي نالت كثيرا من هيبة نظام المخزن الغارق في الفساد، وفق ما تؤكّده كثير من المصادر. فبينما ينشغل الحقوقيون في الجزائر وغيرها بالحديث عن الانتهاكات المغربية لحقوق الإنسان بالصحراء الغربية المحتلّة فإن متتبّعين آخرين يفضّلون الغوص في مجموعة من ملفات الفساد والفضائح التي تلاحق (جارنا الملك)، والتي نسلّط الضوء في هذا التقرير على عدد منها.. فضائح الفساد تلاحق "السادس" تفيد وثائق سرّية نشرها موقع (ويكيليكس) بأن بين 50 و70 في المائة من قوات الأمن المغربية تنتشر في الصحراء الغربية المحتلّة، ويستفيد القادة العسكريون للعرش العلوي العاملون في المستعمرة الإسبانية السابقة من مزايا مراكزهم لتحويل أموال العقود والتأثير على القرارات التجارية. حسب إحدى الوثائق التي نشرتها يومية (الباييس) الإسبانية قبل اختفاء الموقع الالكتروني ل (ويكيليكس) من شبكة الأنترنت فإن الفساد أصبح (مؤسسا) في عهد الملك محمد الساس، وأن جميع الاستثمارات الأجنبية في المغرب مرهونة بقرار ثلاثة أشخاص لهم تأثير على كلّ المصالح التجارية لجميع المشاريع الكبرى للدولة. ولاحظ تلغراف آخر وصف بالسرّي وجّهته السفارة الأمريكية في الرّباط إلى وزارة الخارجية في واشنطن في أوت 2008 أن الجيش المغربي يطبعه (الفساد وعدم الكفاءة وتفشّي البيروقراطية، إضافة إلى انخفاض مستوى التعليم وتهديد التطرف الدوري لجنوده، فضلا عن التهميش السياسي ونشر معظم القوات في الصحراء الغربية). وتشير واحدة من أقوى الوثائق السرّية السبعة التي بدأت (ويكيليكس) في نشرها يوم الجمعة إلى أن الفساد ينتشر بشكل رهيب في شتى مستويات المجتمع المغربي، خاصّة في أعلى صفوف الجيش، كما أن معلومات موثوقة تشير إلى استخدام المفتش العام للقيادة العسكرية الجنرال عبد العزيز بناني لموقعه كقائدا للجنوب (حيث الصحراء الغربية المحتلّة) لتحويل الأموال من العقود العسكرية والتأثير على القرارات التجارية. وأضافت الوثيقية أن العديد من المعلومات تؤشّر على أن بناني له شخصيا حصّة كبيرة من الثروة السمكية في الصحراء الغربية، كما أنه لا زال يواصل هذا النّهب مثل العديد من القادة العسكريين، وقد شيّد على الأرجح منزلا أسريا فاخرا من أموال الرشاوي. بالإضافة إلى ذلك نشرت (ويكيليكس) وثيقة على درجة من السرّية مؤرخّة في ديسمبر 2009، كانت قد أحالتها القنصلية الأمريكية في الدار البيضاء على وزيرة الخارجية وتتضمّن أن أيّ قرار بشأن الاستثمار الأجنبي في المغرب يعتمد على (ثلاثة أشخاص). وأشارت الوثيقة إلى أن هؤلاء الاشخاص الثلاثة هم الصديق الشخصي للملك والرئيس الحالي لحزب الأصالة والمعاصرة فؤاد عالي الهمّة ومستشاره المالي الرئيسي محمد منير المهيدي، إضافة إلى الملك محمد السادس نفسه. وأضافت الوثيقة أنه خلال حكم الحسن الثاني كانت هناك ممارسات الفسادة، لكنه أصبح أكثر (مؤسسية) مع الملك محمد السادس. وكان بيان صادر على موقع (ويكيليكس) قال إن (الوثائق ستعطي للنّاس في جميع أنحاء العالم فكرة لم يسبق لها مثيل في أنشطة الحكومة الخارجية للولايات المتحدة وستكشف مدى قيام الولايات المتّحدة بالتجسّس على حلفائه). ويقول موقع (ويكيليكس) إنه بصدد نشر جميع الكابلات المعترضة لسفارات الولايات المتّحدة في مختلف أنحاء العالم والبالغ عددها 287ر251 على الأنترنت في الايام المقبلة. "حريم" في قصور "جارنا الملك" أثار تقرير إعلامي عن فضائح قصور ملك المغرب والقول إنها مليئة بالجواري والنّساء اللواتي يصرفن الملايين جدلا في المغرب، وغضب المخزن بدعوى تدخّل يومها محطّة سعودية فضائية تمتلكها أميرة زكمت روائح فسادها وعائلتها الأنوف في قضية جدالية ذات طبيعة محلّية في المغرب بعد أن أثارتها صحف مغربية نبشت المحرّمات حين سمح لها بالكتابة عن القصور الملكية وإنفاقاتها. مع أن محطة العربية حاولت التملّص من التقرير الذي نشرته بدعوى أنه أعدّ من قِبل وكالة أنباء مستقلّة، إلاّ أن اختيار المحطّة لنشر التقرير بما فيه من تفاصيل تمسّ شرف نساء العائلة المالكة في المغرب فتح الباب أمام كثير من الجدل. وكانت محطّة العربية قد ذكرت أن العائلة المالكة في المغرب ودّعت سنة غير عادية من عمرها الطويل، الممتدّ لأكثر من ثلاثة قرون، بعد أن تحوّلت قصورها الشاهقة والمحاطة بأسوار عالية وسياج من الصمت إلى حديث العامة والخاصّة بعد أن كان الاقتراب من عتبات أسوارها من سابع المستحيلات. ويؤكّد بعض المراقبين أن الصحافة المستقلّة التي صارت محرّكا أساسيا للشارع السياسي المغربي لم تكتف بجعل الملك محمد السادس ووالده الرّاحل الحسن الثاني وجده محمد الخامس نجوما لأغلفتها، بل تجاوزت ذلك إلى صور الأميرات وعدد من نساء القصر اللواتي كان محظورا الحديث عنهن أو نشر صورهن. وقد شهد هذا العام نشر أسبوعية (الجريدة الأخرى) المستقلّة عددا كاملا مرفقا بالصور عن الحياة الخاصّة للأميرة للا سلمى، بينها وبين زوجها الملك محمد السادس. وعرف المغاربة لأوّل مرّة أن السيّدة الأولى تمشي داخل القصر حافية القدمين وتفضّل ماركات (شانيل) و(فلانتينو) وتطعم وليّ العهد بيدها، وأن أكلتها المفضّلة هي (طاجين اللّحم والجزر) وغيرها من التفاصيل. وبعد فترة من التنافس الإعلامي المغربي على نشر الصور والمعلومات حول السيّدة الأولى وطفلها وليّ العهد الأمير الحسن تجاوزت أسبوعية (الأيّام) كلّ الخطوط الحمراء ونشرت ملفا خاصّا قبل شهرين عن (الحريم بين ثلاثة ملوك) مرفقا بصور تنشر لأوّل مرّة لزوجة الملك الرّاحل الحسن الثاني وأمّه، كما كشفت تفاصيل حسّاسة جدّا عن الحياة الخاصّة لملوك المغرب وأماطت اللّثام عن حريم القصور اللواتي كنّ بالمئات وكن كالجاريات، لا يتّخذ الملك منهنّ زوجة إلاّ من أنجبت له أوّل ولد ذكر ليكون وليّا للعهد وتسمّى كما كانت تسمّى لطيفة زوجة الحسن الثاني بأمّ الأمراء. وكشفت الأسبوعية تفاصيل مثيرة جدّا قيل عنها إنها ضرب من عهود ملكية غابرة، أشبه بحياة الأمويين والعبّاسيين فوق بلاط قصورهم، وعلى سبيل المثال تطبيق عقوبة (الجلد) الذي كانت تتعرّض له كلّ من حلّ عليها غضب الملك من حريمه. لكن نظام الحريم والجواري اللواتي لا حدّ لهنّ انتهى بعد تولّي محمد السادس الحكم وسرّح العشرات منهنّ وتزوّج الملك الجديد بطريقة مختلفة، متّخذا لنفسه زوجة واحدة دون أن يكون له جواري أو حريم. ونتيجة للتفاصيل المثيرة التي اطّلع عليها الرّأي العام المغربي لأوّل مرّة على صفحات (الأيّام) قبل شهر تحوّلت المسألة من سبق صحفي إلى قضية أمام المحكمة ستفتح فصولها في عام 2006 بعد سلسلة من التحقيقات مع رئيس تحرير الصحيفة ذاتها. كما تمّ الاستماع أكثر من مرّة إلى مؤنس الحسن الثاني الذي كان لا يفارقه طيلة سنين طويلة إلى أن توفي الملك الرّاحل، وحكا الفقيه (بينبين) أشياء كثيرة سمعها المغاربة لأوّل مرّة عن ملكهم القوي. وعرف الرّأي العام من خلال مؤنس الملك الرّاحل أن ملكهم كان شاعرا ومحبّا للشعر، كما كشف عدد من الفنّانين المغاربة الذين نظّموا سهرات خاصّة في قصر الملك أنه كان عازفا متميّزا، وكان يمكن أن يكون رئيس فرقة موسيقية بامتياز. ملك يعفو عن أخطر مغتصب أطفال! زعمت مصادر إعلامية مغربية أن (جارنا الملك) فجّر غضبه في وجه الهمّة وقال له (واش فراسك أن 28 سنة المتبقّية لهذا الشخص يجب أن تقضيها أنت بدلا عنه في السجن لأنك تسبّبت في هذه الفضيحة)، وأضافت المصادر (هكذا صرخ الملك محمد السادس وبعنف في وجه مستشاره المفضّل فؤاد علي الهمّة). جاء الموقف الغاضب للملك بعدما تبيّن له أن ردود الفعل على جريمته في حقّ مواطني بلاده وضعته في أسوأ موقف يتعرّض أمام الرأي العام المغربي والعالمي خلال 14 سنة من وجوده في العرش. ووفق المصادر ذاتها قضى الملك المغربي أيّاما عصيبة حين تفاجأ بحجم الفضيحة والأبعاد الدولية التي رافقتها ومستوى السخط ومشاعر التذمّر من قراره بالعفو عن مجرم اغتصب 11 طفلة وطفلا مغربيا في مدينة القنطيرة. وهذه المصادر تؤكّد أن الملك توصّل عبر قناته شبه الوحيدة وهو المستشار فؤاد علي الهمّة بتقارير تفيد بأن الاحتجاج يقوم به أولئك المعارضون الذين يتواجدون في الشارع دائما، في إشارة إلى اليسار وأن كلّ شيء تحت السيطرة. وتولّى فؤاد علي الهمّة تسيير الملف وواجه كلّ من طلب صدور بيان في الديوان الملكي. وكانت أصوات في الديوان الملكي المغربي تقول (هذا مشكل أخلاقي يهزّ المجتمع والملك له صفة أمير المؤمنين وحامي أعراض النّاس ويتعلّق الأمر بأطفال، يجب التفكير في إيجاد حلّ ولو عبر بيان اعتذار غير مباشر أو بيان تراجع عن العفو). "أمير المؤمنين".. ومافيا المخدّرات نقلت أوساط إعلامية عن تقرير أصدرته سفارة واشنطن بالعاصمة المغربية الرّباط كشف النقاب عن ضلوع الحكومة والنّظام المغربيين في عمليات دعم أنشطة عصابات تهريب المخدّرات والمتاجرة بها عبر تهريبها إلى دول الجوار، سواء من خلال التغاضي عن أنشطتها والاكتفاء بقمع بعض الشبكات في مناسبات فقط أو عبر معاقبة محاربي تهريب المخدّرات من رجال الأمن في المغرب. وحسب المصادر نفسها، فقد أكّدت وثيقة رسمية أمريكية تورّط المغرب حكومة وسلطات أمنية في قضايا فساد من قبيل تهريب المخدّرات، حيث قال التقرير بناء على معلومات استخباراتية موثوقة إن مسؤولين في الشرطة المغربية يعملان على مستوى مطار الدار البيضاء جرت معاقبتهما في منتصف شهر أوت من عام 2009 لأنهما كانا وراء توقيف نجل الرئيس السينغالي وابن وزير من نفس الدولة متلبّسين بحيازة مخدّرات. وفجّر التقرير ما يمكن اعتباره بالقنبلة عندما قال إن الملك المغربي محمد السادس لم يتقبّل توقيف نجل صديقه، في إشارة إلى رئيس السينغال، من دون استشارته ولا علمه، ليتقرّر فيما بعد تبرئة الجناة ومعاقبة حماة القانون. وحسب التقرير فإن أحد المسؤولين في الشرطة المغربية تمّ نقله للعمل من الدار البيضاء إلى مدينة العيون الصحراوية المحتلّة كإجراء عقابي، قبل أن يصف بعض عمليات قمع ومحاربة تهريب المخدّرات التي تتمّ في المغرب بأنها (مُسيّسة)، في إشارة إلى اتّهام واضح لنظام المخزن بالتستّر والوقوف وراء عصابات ومافيا المخدّرات النّاشطة في كافّة بلدان المغرب العربي.