كان عمي رحمة الله عليه أول من يدق بابنا صباح كل عيد..كنا نخرج لتقبيله قبل حتى أن نغسل وجوهنا يجلس في بستان بيتنا المحوط بأغصان النعناع وشجرة مريم العذراء يأخذ ورقة ويضعها على إذنه بعد أن يشتمها ندور به ونجري متحمسين لمساعدة ماما في لم الفراش ونفض الغبار وباقي الأشغال بينما تهرول أمي لتحضير قهوة عمي التي يحبها «ساخنة خفيفة وحلوة « ..تكون الشمس لتوها بزغت يكون عمي قد أدى صلات العيد واتجه نحونا قاطعا مسافة على رجليه من حي سيبوس مارا إلى شواطئه حتى يصل بيتنا السعيد مرت سنوات وعمي لم يغير عادته الطيبة كبرنا على زياراته المفاجئة وبه كانت تعود لنا وجوه أجدادنا بعد أن يضيعها النسيان وهموم الحياة ومشاغلها وغياب أبي أحيانا ولم يكن عمي يبخل على أحد بالزيارة والتفقد كأنه رئيسا أو وزيرا أو أميرا للمؤمنين أصدقكم القول انه كان يبدو كذلك بالنسبة لي ...وكلما سألته ببراءة طفلة يتنهد قائلا» يا بنيتي إنه واجب ومادمت حيا لن أحيد..الله يبارك في الركايب»..لا أذكر يوما أنه استرسل في حديث عن الكباش أو عن أسعارها غلائها أو رخائها ننسى الكبش لأنه لم يكن مهما وننسى الأثمان لأنها مهمة تفوق مقدرتنا ولا نعرف غير الجري إلى تقبيل أهالينا في العيد والتغافر على بعضنا البعض ...\ في نشرة أخبار الثامنة قال الصحفي في ربورتاجه عن كباش 2012 أنها هي الأغلى على الإطلاق وأن الجزائري أصبح حائرا في اقتنائه لإسعاد أطفاله..كما طرح عددا من الأسئلة حول كيفية اقتنائه في ظل غلاء ثمنه وأدار الكاميرا نحو وجوه المواطنين في سوق الكباش وهم مستاؤون ومزدرون وغاضبون من ضعف قدراتهم الشرائية لا أدري كيف غلا ثمن الكباش والله كانت بالأمس فقط بالأمسبخسة جدا وفي متناول الغني والفقير وحتى ان كثيرين يتصدقون بنصفها على المساجد فيما يخبئ آخرون نصفا أو بعض منها لعاشوراء والمولد النبوي مرة نسينا فخذا كاملا متجمدا في الثلاجة سنة كاملة بسبب انشغالنا بالزيارات وتبادل السهرات والمعايدة فيما بيننا ...أظن أن هذا لن يحدث أبدا واقصد مادامت المعايدة آخر ما يفكر فيه أغلب الناس لأن انشغالهم الأساسي هو اللحم والشحم والعظم والصوف وحتى القرون لم تعد مهمة فلن تلعب الأطفال لعبة القرون ولن يعيد الفقراء وان عيدوا فمديونون أوحزينون . نزل من عاصمة الجن والملائكة لإحياء العيد في بلاده مع عائلته توجه الى الجزار اقتنى فخذ كبش وغرنوقا ..شوى ..طهى ..قلى..عايد على كل الجيران بعد ثلاثة أيام قرر العودة الى باريس وظل باب بيتنا مغلقا لأن عمي لم يجيئ. EMAIL\ [email protected]