متى يستثمر العرب في فترة الهدوء التي نشرها الرئيس أوباما في أجواء مشكلة العالم الأولى، القضية الفلسطينية لصالح حقهم الذي أضاعوه ؟ وهل يظلون ثابتين وسط دائرة تتوسع حولهم لفائدة غيرهم ؟ ثم أما من رشيد في أمة يباهي حكامها بسلطتهم الراشدة ؟ مازالت وزيرة خارجية أمريكا هيلاري كلينتون تحضّ العرب- فرادى وجماعات دولا وتكتلات- على الاعتراف بالكيان الصهيوني كبادرة حسن نية! وتقول إن ذلك سيساعد إدارتها في تليين موقف إدارة تل أبيب، كي تتّخذ »مواقف مؤلمة« من أجل أن تعيش شعوب المنطقة بأمن وسلام ورخاء، وكأنها تردد بذلك حديث الحمل الكاذب الذي طرحته زميلتها السابقة كونداليزا رايس عرّابة الشرق الأوسط الجديد، غير أن هذه الدعوة المستهجنة يبدو أنها وجدت- في غياب رأي عربي واحد متبصّر وحازم- بعض الآذان، خاصة في بعض الإمارات التائهة العائمة في خليج تتنازع العرب والفرس في تسميته حينما دعا وليّ عهدها إلى تسويق الموقف العربي في الإعلام الصهيوني، أو الشحاتة بسلام ما زال يرفضه أهل القوة، أي التطبيع عبر بوّابة الإعلام، حتى وإن كان حديث هذا »العبد ي« ندرج- ربما- في إطار خلق مكان تحت الشمس الأمريكية الحارقة له أو لإمارة قد يؤول إليه إرثها بعد حين ليس أكثر، إلا أنه لم يغيّر في المعادلة القائمة شيئا يذكر، فلا العرب تجرّأ أحد منهم- ولو من الراغبين في التواصل مع هذا الكيان اللقيط- وظهر في وسائل الإعلام المأمولة، باستثناء حديثه هو إلى إحدى الصحف الأمريكية المتصهينة، ولا الصهاينة تشجّعوا ودعوا فعلا بعض العرب الهاربة، لأنهم لا يريدون أن يدنّسوه بمن يعتبرونهم قذارة مطلقة، ومع ذلك مازالت الإدارة الأمريكية مصرّة على الانفراد بالعرب دولة فدولة، بعد إسقاط مصر والأردن في مستنقع ما يسمى بمعاهدتي السلام القائمتين بين هذين الدولتين والكيان اليهودي الصهيوني، فهي تريد إلحاق العربية السعودية بإسطبل داود، كي تجرّ معها دول الخليج المتمنّعة فقط، والتي تنتظر سقوط »الشقيقة الكبرى« في الشراك، فتدخله تلك الدول دفعة واحدة طمعا وحبّا، وساعتها يتم خنق المقاومة، ويكتمل حصار سوريا، ولا يبقى أمامها إلا القبول بالشروط الصهيونية، وقد تطلب العفو عنها مقابل التنازل عن مطالبتها بعودة الجولان المحتل، كما يظن الكثير ممن تدربوا على السقوط الاستباقي أمام عدوّ لم يكن قويا إلا بضعفهم . أمريكا لا ترغب في تغيير سياستها، إنما تريد تصحيح صورتها التي شوّهتها حروبها الظالمة على البشرية، وتأذّّى بها العرب والمسلمون أكثر، هذه حقيقة لا أدري لماذا يشيح العرب بوجوههم عنها، وحتى لو أخلص الرئيس أوباما في تصوّره لعلاقات أمريكا الجديدة مع المجتمعات العربية المسلمة فإن محيطه الرئاسي والمجتمع الأمريكي الحاكم، لن يتركاه يعيد توجيه سير الخارجية الأمريكية بما تشتهي العرب الحالمة، وما مباركة البيت الأبيض للتحرّشات الصهيونية بلبنان، وتحويل الاختراقات التي ينفّذها جيش الصهاينة في الجنوب اللبناني، إلى تحرشات مضادة يهيَّأ الرأي العام العالمي لما سيحدث بعدها، كما أن الإبقاء على حصار الفلسطينيين في غزة التي أفزع دمارها السيناتور كيري في زيارته الأخيرة لها، والعمل على توسيع الهوّة بين جناحيْ المقاومة الفلسطينييْن فتح وحماس بجعلهما يقتتلان في زنزانة سجن الاحتلال المفتوح على الاحتلال، واللعب »بالتقسيط« في مفاوضات لا تنتهي بين الإدارة الصهيونية وسلطة رام الله، التي لم تجن منها غير تحوّلها إلى بوليس متقدّم لإدارة الاحتلال، كلها دلائل تؤكد انحياز أمريكا المفضوح لإسرائيل، وتثبت عدم جديّة هذه الأخيرة فيما تروّج له من مشاريع السلام الوهمية. تؤكد كل المؤشرات القائمة، أن الإدارة الأمريكية تؤيد تطرّف الشتات الصهيوني الذي اختار أكثر الحكومات عنصرية وتزويرا ودموية وتطهيرا عرقيا وهروبا من السلام، بدعوى الامتثال للإرادة الشعبية التي عبّر عنها الناخب في آخر استفتاء على الدعوة للحرب، في نفس الوقت الذي ترفض فيه هذه الإدارة ومعها عموم الغرب، الإرادة الشعبية العربية عندما تختار ما لا يتفق وهواها، وتحرّض الحكومات للإطاحة بهذه الإرادة، وتدفعها للتطبيع خارجها مع إدارة الاحتلال كأمر واقع، ويزيدها وزير الدفاع أو الحرب الأمريكي روبرت غيتس تأكيدا، بإعلانه أن أمن إسرائيل- المحصنة بتكنولوجيا التدمير الأمريكية- من مسئوليات أمريكا الكبرى، وهو ما يعني أن المؤسستين السياسية والعسكرية الأمريكيتين تبارك الفكرة الصهيونية الساعية إلى التمدد من النيل إلى الفرات على حساب شعوب المنطقة، بل وتشارك أمريكا في تنفيذها . لم يسأل الداعون إلى السلام الصهيوني أنفسهم ماذا حققت معاهدات السلام المصرية الأردنية الإسرائيلية؟، إنها لم تصنع السلام لأكثر من ثلاثين عاما، بقدر ما أجّلت الحرب بين أصحاب الأرض والحق ومن يرابط معهم، من أشقاء فصلتهم عنهم الأنظمة الآيلة للسقوط حتما من جهة، وبين الشتات المتكوّن نتيجة عقدة الغرب تجاه ما يكون فعله باليهود من جهة أخرى، وقد تطرّف هذا الغرب بحالته المرضية تلك، إلى درجة العمى في رؤية الحق المسنود إنسانيا وأخلاقيا وقانونيا، وانجذب كلية إلى الباطل، إلى حد المشاركة في الجرم البيّن ضد الإنسانية، فعندما تدعو مجموعة كبيرة من أعضاء الكونغرس الأمريكي- بصيغة الأمر- المملكة السعودية إلى الاعتراف بإسرائيل أولا، وقبلها دعت مجموعة أخرى إلى ضرب الحرمين الشريفين لكسر شوكة المسلمين في أقدس مقدساتهم الروحية، في إطار الحرب على ما تسميه الإرهاب، فإن ذلك يعني أن أمريكا هي شريك فعّال وأساسي لإسرائيل، بل قد تكون هذه الأخيرة إحدى ولاياتها البعيدة دون علم الشعب الأمريكي المضحوك عليه بديمقراطية تحددها اللوبيات، ويسدّد دافع الضرائب الأمريكي لها أعلى ضريبة، في حين يبيّض الصهاينة الأمريكيون أموالهم القذرة، ويعيدون غسلها في كنيس حاخاماتهم الفاسدين، ويستفيدون من نعم المجتمع الأمريكي خارج واجب الجباية المقدّس . لقد أجدب الفكر العربي إلى درجة التكلّس، فلم يعد يرى الأشياء المرئية، وراح أصحابه يواصلون رحلة تشرذمهم- التي يبدو أنها بلا نهاية- في مرحلة فاصلة من صراعهم التاريخي المرير، وكأنّ حوَلا أصابهم فضاعوا في متاهات الزوايا الخاطئة، عندما وجدوا أنفسهم يروّجون لسلعة عدوّهم في ربط المسألة النووية الإيرانية بالتجميد المؤقت للمستوطنات اليهودية، كشكل من أشكال تجديد الهواء الذي يكاد يخنق المنطقة ويدخلها في نفق المجهول، في وقت يوظّف فيه الكيان الصهيوني عامل الوقت بدقة متناهية، لالتهام مزيد من الجغرافيا التي كان يقضمها مع استراحات لعبة التفاوض، وإنهاك متعمّد للتاريخ في غياب أهله المنشغلين بكراسي تلهو به الريح، وتعطيل مدروس لإرادة التحرر والمقاومة وهي آخر رباطات الشعوب، ولا يبدو أنهم يسمعون الشتات المجمّع في فلسطينالمحتلة، وهو يؤكد في كل المناسبات وخارجها، على أن المسعى جاد وجار لإزالة المسجد الأقصى- ثالث الحرمين الشريفين التي لا تشدّ رحال المسلمين جميعهم إلا إليها- واستبداله بالهيكل المنتظر، مع العمل المستمر على إخراج العنصر العربي المسلم والمسيحي من مدينة القدس كل يوم، بغية تهويدها، وذلك بعد إلغاء الأسماء الفلسطينية للمدن العربية، التي تشبّث بها أهلها ممن يعرفون بعرب الثماني والأربعين، وتعويضها بأسماء عبرية استلّوها من نتانة التاريخ ...