كان في خاطري صورة كاملة الأركان لرمز من رموز تراثنا الثقافي في شكله التعبيري الفني والشعري. كنت أحسد فيه هذا الاعتداد بالانتماء بكل أبعاده الشفيفة واستعارات البلاغية. يعتد بقصيته لأنها تختزل تاريخ البحر وتاريخ الحكي وتاريخ الغزاة.. ولأنها تختزن كل الروايات عن بربروسة وعروس البحر ونهم الوافدين والحاقدين والعاشقين على مر العصور. كنتُ أحفظ له تلك الصورة والرمزية حتى أنأى بنفسي وجيلي عن المركزيات الثقافية الشرقية والغربية، إلى أن رأيتُ في عيون الجيل الجديد من أهل الصحافة والثقافة والفن بعض آي الحجود والنسيان أو محاولات التذكر أو حتى بعض معالم الجهل.. »اللي ما يعرفكش يجّهلك« جميعهم يعرفون مطلع القصيد الشعبي الرائع »سبحان الله يا لطيف« كأن صاحبها هو الحاج محمد العنقا، مع أن العنقا ذاته يردد في تواضع جم لصاحبه ويكشف في نهاية القصيد قائلا: » مول المنظوم والقصيد ماهوش مطرّف من أهل الصدق والوفى ولد باب الجديد بالوكيد بير جبّاح تحلف التومي قال مصطفى واللي غنيها عميد فيها يتصرّف الشيخ العنقا إذا كفى« هكذا على طريقة المعلقات والملاحم وقّع مصطفى تومي قصيده مثلما كتب روائع أخرى مثل »رايحة وين« و »كي اليوم كي زمان« ولأن اليوم ماهو كي زمان، كانت »سبحان الله يالطيف« التي كتبت عام سبعين أشبه بنبوءة عن جزائر أخرى مفتوحة على النهم والتنكر والنسيان. زرتُ مصطفى تومي في بيته فوجدته يعاني المرض والعزلة مثل كثيرين من أبناء جيله من المجاهدين ورجال التاريخ الثقافي والفني لهذا البلد. سيشفع له منجزه النضالي أثناء الثورة مع جبهة التحرير وقادته الكبار ومع الفرقة الفنية للأفلان آنذاك، وحتى بعد الاستقلال بوقوفه إلى جانب الشعوب المكافحة وقضايا الإنسان والتحرر، فتغنت بكلماته مريم ماكيبا عن إفريقيا الفنان محمد العماري عن تشي غيفارا، وقد ترك المناصب والزخارف منذ حكم بن بلة في سبيل القيم التي آمن بها وجسدها في مشاريعه الفنية منذ أن اشتغل إلى جانب الوزير الأسبق الراحل محمد الصديق بن يحيى. كان في خاطري ولا يزال صورة لجزائر أخرى تحتفي بالإنسان وبالثقافة المحلية وأعلامها وسيبقى كذلك في ضمير الفن وسجل الإبداع. ¯ أما بعد: شفاك الله يا أستاذ مصطفى تومي وألبسك ثوب العافية