أجمع مختصون اقتصاديون خلال مشاركتهم في الندوة الفكرية التي نظمها حزب جبهة التحرير الوطني حول السياسة الصناعية والمؤسسة الاقتصادية على أن مشكل الصناعة في الجزائر يعود لثلاثية » البيروقراطية، العقار الصناعي، مناخ الأعمال«، حيث تم تشخيص العراقيل التي تقف في وجه تطور قطاع الصناعة، داعين إلى وضع سياسة ترتكز على المؤسسات في ظل اقتصاد السوق وجلب شركاء لهم القدرة على تطوير الصناعة في الجزائر. افتتح مسؤول قطاع الشؤون الاقتصادية والاجتماعية لحزب جبهة التحرير الوطني عمار تو الندوة الفكرية التي نظمها الحزب أمس الأول حول »إشكالية الصناعة والمؤسسة الاقتصادية« بطرح جملة من التساؤلات التي ترتبط أساسا بالإشكالية من بينها دور المؤسسة كأداة في تطبيق الإشكالية ومن ثمة كيفية تحديد الأولويات والاختيار ما بين الصناعات الثقيلة والصناعات التحويلية، حيث تساءل عضو أمانة الهيئة التنفيذية للأفلان عن دور الدولة في حل الإشكالية الصناعية ودور القطاع العام وعلاقته بالصناعة الثقيلة أو الصناعة التحويلية. مسؤول القطاع تطرق كذلك إلى الحديث عن دور الجامعة في حل الإشكالية على المستوى الفكري ودورها في تنفيذ الإستراتيجية الصناعية، كما وجه نفس المتحدث جملة من التساؤلات ذات الصلة بالموضع ترتبط بدور المؤسسة الاقتصادية ودور العمل ورأس المال في حل الإشكالية. وفي مداخلة ألقاها الدكتور مصطفى مقيدش حول »السياسة الصناعية والمؤسسة الجزائرية«، قال إن الهدف من السياسات الصناعية هو التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي يجب أن تكون دائمة في الجزائر أين تعد المؤسسة وسيلة للنمو، مشيرا إلى أن المبتغى هو هدف سياسي، مشددا على أن السياسة الصناعية ترتكز على المؤسسات خاصة في ظل اقتصاد السوق وفي الوقت الذي تعيش الجزائر ضغوطات خارجية ترفض أن يكون هذا الاقتصاد يحتكر المؤسسات. وعاد المحاضر إلى الحديث عن السياسات الصناعية التي انتهجتها الجزائر في السبعينيات أين كان 50% من الناتج الداخلي الخام موجه للاستثمار والذي انخفض إلى 25%، مؤكدا أن البرامج أعطت أهمية كبيرة للتصنيع والتكوين وتحويل التكنولوجيات غير أنها انتهت في الثمانينات دون أن تصل إلى هدفها الرئيسي وتوقف عدد من الصناعات نتيجة للأزمات التي عرفتها الجزائر في تلك الفترة أهمها انخفاض سعر البترول وإعادة الهيكلة للمؤسسات العمومية. وذكر الدكتور مقيدش بتواصل الأزمة في الجزائر والتي تعدت الجانب المالي لتمس الوضع الأمني والتطور التكنولوجي، حيث عرفت الجزائر تأخرا كبيرا في الصناعة والتكنولوجيات، مؤكدا أنه يجب في الوقت الراهن رسم سياسة اقتصادية جديدة تكون بديلة لقطاع المحروقات والعمل على رفع الصادرات خارج النفط والحفاظ على ميزان المدفوعات للدولة وتجنب الكوارث المالية، داعيا في آن واحد إلى وضع المؤسسة في قلب الاستراتيجية والاهتمام أكثر بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي اعتبرها واعدة وبديلة عن المؤسسات الكبرى في الجزائر مع جلب أكبر عدد ممكن من الشركاء في مجال التكنولوجيا. وفي نفس السياق، قدم الدكتور أرقاما عن نسبة التضخم التي بلغت 5.5 في 2009 تراجع نسبة تمويل الاستثمار إلى 25% من الناتج الداخلي الخام، داعيا إلى تبني سياسة صناعية ناجعة في ظل اقتصاد السوق وعلى أن يكون أيضا مناخ الأعمال في الجزائر ملائما من أجل تمكين المؤسسات العمومية والخاصة من العمل وجلب شركاء مع وضعا آليات وميكانزمات تكون ملائمة لهذا النشاط. وفيما يتعلق بالمشاكل التي تواجه الصناعة في الجزائر، قال نفس المتدخل بأن المشكل العويص الذي لايزال يعيق تطور الصناعة هو العقار الصناعي وارتفاع أسعار العقار، داعيا إلى وضع استراتيجة جيدة للتكفل بهذا المشكل وجعل العقار في متناول الصناعيين والمستثمرين المحليين والأجانب وتأسيس شركات وطنية قوية تكون قادرة على المنافسة وبلوغ أهداف التنمية والتطور، مشيرا إلى أن كافة أفراد المجتمع المدني معنيين بالقضية إضافة إلى شبكة التكوين والتعليم والمؤسسة، مذكرا بأن 80% من العاطلين عن العمل ليست لديهم مهن أو حرف، حيث طالب بمرافقة البحث العلمي للمؤسسات الاقتصادية. ومن جهة أخرى، أكد الأستاذ بوعبد الله أن الجزائر لم تعرف استراتيجية صناعية قوية في السابق وأنه لا يمكن وضع أي استراتيجية دون تحديد الوسائل وتفعيل المراقبة، مشيرا إلى أن رئيس الجمهورية قدم توجيهات في هذا المجال ويجب رفع العراقيل التي تواجهها الصناعة في الجزائر. وفي السياق ذاته، قال الأستاد غريبي من جامعة المدية هناك تباعد بين الجامعة والمؤسسات الاقتصادية، حيث دعا إلى تبيان دور الجامعة في إمداد المؤسسات بالكفاءات والإطارات المطلوبة، مؤكدا على أن دور الدولة يكمن في تحديث منظومة مصرفية ومحاربة البيروقراطية وتنظيم الأسواق الوطنية. وعلى صعيد آخر قال رئيس مدير عام مجمع »اتصالات الجزائر« موسى بن حمادي إنه بات من الضروري استعمال التكنولوجيات الحديثة في تطوير المؤسسات الاقتصادية وتكثيف شبكات الربط بين المؤسسات والهيئات من أجل تقديم معلومات وخدمات للمؤسسات. وخلص الدكتور مقيدش إلى تحديد العراقيل التي تقف في وجه تطور المؤسسات والصناعة بالجزائر بالقول إنه من اللازم توفير مناخ عمل ملائم وجيد، إضافة إلى خلق شراكة جديدة بين المؤسسات العمومية والخاصة مبنية على الثقة، مشددا على ضرورة القضاء على البيروقراطية، داعيا إلى مساعدة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ودعم وتشجيع البحث العملي والتكوين.