عندما أستمع إلى المجاهد ياسف سعدي وهو يتحدث أو يتخذ موقفا أو حتى يحضر مناسبة عامة، تعود بي الذاكرة إلى عنوان هذا الفيلم الأمريكي الجميل Little big man . الذي لعب فيه الدور الرئيسي الممثل المشهور Dustin Hoffman وأخرجه Arthur nneP أعود إلى عنوان الفيلم -الرجل الكبير الصغير -وليس إلى قصة الفيلم ،لأنها قصة بعيدة عما أنوي الكلام عنه هذا الأسبوع فهي تتحدث عن تاريخ الولاياتالمتحدة والحرب الأهلية التي عرفتها والهنود الحمر تحديدا . فعلا عنوان الفيلم ينطبق على ياسف سعدي والكثير من الوجوه السياسية والتاريخية عندنا ،فالرجل كان كبيرا وبحجم العمالقة عندما التحق بثورة التحرير ، وهو يقود معركة الجزائر ضد جنرالات الجيش الفرنسي ليعود صغيرا بل وصغيرا جدا وهو ينبش في أرشيف الجيش الفرنسي ،نصف قرن بعد ذلك ...ليقول للناس أن زهرة ظريف ''بياعة '' وأن لويزات اغيل أحريز... ليست مجاهدة وأنه المجاهد الوحيد الفعلي فالرجل يريد أن يبقى الكبير الوحيد حتى وإن صغٌر الجميع وعلى رأسهم النساء ،تماما كما يفعل ''الحيطيست'' زمن شباب الأحياء الشعبية الفقيرة الذين تخصصوا في ''حقرة '' الأخوات وبنات الحي الناجحات والنبش في سيرتهن . ياسف سعدي الذي يريد أن يقول لنا وهو يقوم بهذا النبش في الذاكرة التاريخية، أنه كان يمكن أن يبقى صغيرا كالكثير من أبناء حيه ووسطه الاجتماعي لولا ما حصل في ذات نوفمبر من 54 . نعم الثورة هي التي جعلت ابن الخباز هذا ،مثل غيره من القيادات ذات الأصل الاجتماعي والثقافي المتواضع عملاقا ومجاهدا كبيرا ويوصف ب ''سي فلان ''يكتب الكتب ،رغم أميته بمعنى آخر فإن الحراك الذي خلقته الثورة هو الذي حول هؤلاء الشباب من أبناء الأحياء الشعبية المعدمة التي تخصصت في تهريب التبغ الأمريكي والمتاجرة بالرقيق الأبيض وبأمور أخرى أستحي من ذكرها الآن إلى قيادات ثورية وطنية ودولية يتم تخصيص أفلام للحديث عما قامت به أثناء هذه الثورة العملاقة التي أعطت فرصة حقيقية للصغار من أبنائها ليصبحوا كبارا بل وعمالقة . المصيبة لا تكمن فقط في أن هؤلاء الكبار والعمالقة من المجاهدين والقيادات يمكن أن يرجعوا إلى أحجامهم الحقيقية أي إلى أقزام، بعد أن وصل مشروع بناء الدولة الوطنية ،خمسين سنة بعد الاستقلال إلى مأزق فعلي، فأصبحت الجزائر من دون مشروع يجند ،كما هو حاصل هذه الأيام .بل المصيبة أنهم يريدون أن يكتبوا لنا تاريخنا وهو في حالة ''تقزم'' بعد أن صاروا صغارا ومن دون مشروع ولا آفاق، إلا تضخم لأنا مرضية وهم في أرذل مراحل العمر بالطبع هذه ليست دعوة لمنع هؤلاء المجاهدين من الكلام في الثورة أو كتابة ما يعرفون وما عاشوه فيها من أحداث حتى لا يفهم كلامي خارج السياق الذي أتحدث فيه،والبعيد عن موضوع كتابة تاريخ الثورة ومدى توفر شروطه كفتح الأرشيف أمام الباحثين الذي لازال مغلقا في الجزائر أمام الباحثين الجزائريين والأجانب .غلق لم يجعلنا للأسف نخجل من أنفسنا ونحن نطالب الفرنسيين بفتح أرشيفهم أمام باحثينا . أخيرا قد يكون من الأحسن لي وقد بدأت الكتابة هذا الأسبوع بالسينما والفيلم الأمريكي أن أنهيها بصور من الواقع كما شاهدته وأنا عائد من إحدى زياراتي للخارج في مطار العاصمة .صورة من الواقع ،كان يمكن أن تتحول إلى لقطة لفيلم فكا هي، لا اعرف إن كان سيضحك الجزائريين أم يبكيهم ،صورة من الواقع تؤكد أن ''التقزم'' لا يمس القيادات والوجوه التاريخية فقط، في غياب هذا المشروع الوطني الذي يجند ويحفز ويفتح الآفاق، بل يمس الكثير من أنواع النخب التي ابتليت بها الجزائر في السنوات الأخيرة وهي في حالة شلل ومن دون مشروع وطني كبير ،يحول حتى الصغير إلى كبير، دون أن يصغر الكبير . فقد شاهدت وزيرا سابقا للشؤون الدينية،حارت شرطة المطار في التعامل معه وهو يهم بالدخول إلى الجزائر ...فالرجل نسي تماما أنه كان وزيرا ، منذ مدة قصيرة ،وأن من واجب الشرطة أن تعامله معاملة خاصة أو على الأقل ''تكبر'' به بشكل ما وهو مع المواطنين في الصف أمام شرطة الحدود ..نسي الرجل كل هذا وعاد إلى أصله ...المعلومات تقول أنه كان تاجر شنطة قبل الوزارة والبروز ضمن صفوف التيار الإسلامي ...فبدأ في القفز على الحواجز وحرق ''لاشان'' كما يقال وهو يصرخ مع محدثه في التلفون الذي كان في انتظاره في المطار ...مثل أي تاجر شنطة صغير، يريد أن يفلت من حاجز الجمارك ،نسي تماما أنه كان كبيرا ذات يوم.