مازال قدوم الربيع في الجزائر يشكل مظهرا من مظاهر البهجة ويصنع الفرحة لدى العائلات، تماما كما يجدد النشاط في نفوس ربات البيوت، اللواتي يحرصن على استقبال هذا الفصل المميز كل على طريقتها وحسب عادات منطقتها، ففي الوقت الذي تكتفي فيه العاصميات بإعداد »المبرجة« وتنظيف البيوت، تحافظ الريفيات على الكثير من عادات الأسلاف في هذا الموسم. بالرغم من غياب نكهته التقليدية من أغلب البيوت الجزائرية، إلا أن قدوم الربيع في حد ذاته يغير الكثير من النفسيات لما لهذا الفصل من تأثير إيجابي على تجديد الطاقة والنشاط والذي يتزامن مع مظاهر اكتساء الطبيعة حلة خضراء تدفع الكثيرين لإحياء هذه المناسبة بصورة تلقائية. ومن أكثر المظاهر التي صمدت أمام التغيير هو لجوء البيوت العاصمية إلى عملية تنظيف شامل للبيوت مع دخول الربيع الذي يوافق حسب العاصميين 21 مارس من كل عام، حيث تقوم ربات البيوت بالتخلص من رطوبة الشتاء بفتح كل النوافذ وغسل الجدران وكل شيء في البيت تطاله عملية التنظيف بما فيها الأفرشة والأغطية الثقيلة وكذا ملابس الشتاء التي تخفى في أماكن بعيدة بعد تنظيفها إلى غاية الشتاء القادم. وفي هذا الفصل أيضا تخرج ربات البيوت نباتاتها المنزلية التي صمدت لبرودة الشتاء لتر النور مجددا على شرفات المنازل، وتقوم بجلب أخرى تتلاءم مع الفصل على رأسها الحبق والريحان وغيرها من النباتات العطرية الفواحة التي تدخل ضمن العادات العاصمية العريقة التي لا غنى عنها. تقول زينة سيدة في منتصف الخمسينيات من العمر» للربيع نكهة خاصة في العاصمة تراها بالعين وتستنشقها أيضا، فالعاصمة تصبح أبهى بعد أن يدخل بيوتها النور مجددا وشمس الربيع التي تقضي على رطوبة وعفن الشتاء. وروائح الورود والنباتات التي تنبعث من كل مكان تعزز الإحساس بقدوم هذا الفصل المميز وحتى الأطباق تتغير خلال هذا الموسم تبعا لوفرة بعض الخضر المرتبطة بالمناسبة حيث تشتهر العاصميات بإعداد أطباق التبيخة طيلة هذا الموسم، في حين تقوم أغلبية ربات البيوت بإعداد الكسرة» المبرجة« التي تتميز بها أغلب مناطق الوطن احتفاء بقدوم الربيع والتي يطلبها الرجال والأطفال بشدة في هذا الفصل. في حين أضافت العلجة سيدة ناهزت الستين من عمرها: ''الربيع فصل نستغل فيه كل ما تجود به الطبيعة من أعشاب وبقول تعلمنا طرق طهوها من أسلافنا ومنها على سبيل الذكر لا الحصر'' القرنينة '' و»السبانخ« والفول الذي نعد به الكثير من الأطباق الربيعية المتميزة فبخلاف التبيخة المعدة من الفول، الجلبانة والأرضي شوكي، نعد المسفوف بكثرة في هذا الفصل حيث تشتهي أنفسنا شراب اللبن البارد بدل المأكولات الساخنة التي يتميز بها فصل الشتاء، أما حلويات الربيع فتعد خصيصا بالتمر المعجون على غرار الكسرة »المبرجة« وكذلك »الرفيس«، ولا ننس تحضير انواع من الخبز بالاعشاب الصالحة للأكل مثل الاكليل ، النعناع وأوراق البصل والزيتون كل هذا يعطي الربيع نكهة مميزة يبقى أثرها في النفوس، ولهذا أعمد على تعليم كل بناتي وحتى زوجات أبنائي فنون هذه المأكولات التقليدية حتى نحافظ عليها فلا يطالها النسيان. ولعل ما يجعل العادات التي تزخر بها العاصمة غنية ومتنوعة هو اختلاف المناطق الأصلية لسكانها، ففي الوقت الذي تقوم فيه نساء منطقة القبائل بإعداد الكسكس بأنواع الحشائش والبقول، تحرص »البرايجيات« و»السطايفيات« على إعداد كسرة »المبرجة«وهو خبز تقليدي يصنع بالدقيق و التمر، في حين تحرص العائلات المنحدرة من جيجل، ميلة وحتى قسنطينة على إعداد »الغرايف« أو كما يطلق عليها في العاصمة »البغرير« هذا القرص من العجين الذي يطهى على جانب واحد حتى يأخذ اللون الذهبي يشبه قرص الشمس في لونه وشكله، لذا يرتبط لدى سكان هذه المناطق ببزوغ شمس الربيع، لكن أهم الطقوس التي مازالت سارية في الأرياف والمدن الداخلية هي خروج العائلات إلى البساتين والحقول في هذا الفصل رفقة .