هناك مستجدات تجعلني أعود للحديث ثانية، عن مواقف بعض الأحزاب، لكن قبل هذا أريد أن أشير وبكثير من الاستغراب إلى تعلق الكثير من الأحزاب، وعدد لا بأس به من الشخصيات بالسيد حمروش مع أنهم من دعاة التجديد والتغيير. فمع احترامنا وتقديرنا له كشخصية بارزة وإطار متميز له وزنه في الساحة، إلا أنني لا أدري لما تعلق الكثير من الناس بالأخ حمروش وأصيبوا بخيبة شديدة عندما انسحب من السباق مع أن الرجل يقول اليوم ما قاله بالأمس، صراحة، وهو أنه لن يترشح أبدا ضد مرشح الجيش، وهذا تصريح خطير، قد يوحي بأن مرشح الجيش - إن كان له مرشح أصلا يفوز حتما وفي كل الأحوال وبكل الوسائل،، وهذا غير صحيح بتاتا، ثم هل نسي هؤلاء الناس أن الأزمة السياسية انفجرت في عهد حكومته ونتيجة لإصلاحاته المتسرعة والمرتبكة التي لازلنا نعاني من تداعياتها إلى اليوم، أليس حمروش هو من اعتمد بين عشية وضحاها تلك التعددية الحزبية العشوائية التي جعلت الأحزاب تنبت كالفطر بالعشرات في مشهد هزلي نراه يتكرر اليوم بضغط من طبقتنا السياسية الهالكة التي ما انفكت تتحجج بالتضييق على الحريات السياسية، لتبرير فشلها المبين، أما على الصعيد الاقتصادي، أليس الأستاذ حمروش هو ''أب'' الليبرالية الجديدة التي قضت على القطاع العام دون أن تخلق قطاعا خاصا جديرا بتسميته، تلك الليبرالية التي أسقطت كل الضوابط والتي أباحت الإستيراد دون حدود أو حساب، وحررت البنوك دون رقابة أو عقاب، وهذا ما أدى إلى نوع من الفوضى الاقتصادية التي فتحت الطريق أمام الفساد الكبير الذي أصبح يهدد استقرار الدولة، فعندما جاء بوتفليقة للحكم كان قطار الرأسمالية المتوحشة قد انطلق، بل وقطع مسافة طويلة ولم يكن بالإمكان حتى '' لعفاريت سليمان'' أن توقفه، إلا بالعودة التامة لنقطة الصفر، وهو ما لم يكن ممكنا فعله، دون إحداث اضطرابات خطيرة، لا يمكن للبلاد أن تتحملها في تلك الحقبة العصيبة كما يعرف الجميع، ليس بوسع أي محلل سياسي منصف أن يقول بأنه كان من الممكن العودة إلى سياسة الاقتصاد الموجه، فضلا عن احتكار الدولة للتجارة الخارجية، وقد حاولت الحكومات المتعاقبة الحد من الأضرار إلا أن المرض كان مستفحلا، خاصة وأن البرامج التنموية الهائلة وما رصد لها من أموال ضخمة، ساعد بصفة غير مباشرة أرباب المال المفسدين على ترسيخ أقدامهم في المجال الاقتصادي تمهيدا للسيطرة عليه والتحكم فيه ومن ثم التحكم في مختلف دواليب الدولة إلى درجة جعلت رئيس الحكومة الأسبق السيد أحمد أويحيى'' يعلن صراحة أن ''مافيا المال'' أصبحت هي التي تسير الدولة، وهذا تصريح خطير، خاصة عندما يأتي على لسان رئيس حكومة. لقد كان على السيد أويحيى، أن يشرح للناس كيف حدث هذا ولماذا حدث وأين كان هو وزملاؤه عندما حدث، ومع ذلك أقول هذه هي نهاية الطريق الذي سلكه بنا الأخ حمروش وبحسن نية-. ذات يوم من سنة ,1989 عندما باشر إصلاحاته السياسية والاقتصادية المشؤومة بالنظر إلى ما آلت إليه وهي في أول خطواتها، ناهيك عما جرى بعد ذلك، هذا ما جعلني أستغرب - كما قلت - ارتباط الكثير من الناس بالسيد حمروش وسياسته، إلى درجة أن أحد زعماء الحركات الكبيرة وهو السيد مقري صرح قائلا: إن غياب حمروش عن الرئاسيات المقبلة انتقاص من قيمتها، نعم، هكذا قال ولم يع بأن في تصريحه هذا رفع من قيمة حمروش وانتقاص من قيمته هو وحركته، وإلا كيف يعتبر غياب الرجل الذي قاطع انتخابات ,1999 وقبع في بيته، من ذلك الحين مرددا في كل مرة أنه لن يترشح ضد مرشح النظام، انتقاص من قيمة الرئاسيات ولا يعتبر غياب أحزاب كاملة من بينها حركته انتقاص من قيمتها، فهل هناك مؤشر أوضح من هذا التصريح على هشاشة هذه الأحزاب، وتدني مستوى زعمائها، ومما يؤكد ذلك، تصريح السيد مناصرة الذي قال منذ أيام أنه لازال يبحث عن شخصية ثقيلة الوزن ليتحالف معها أو يدعمها، وفي هذا أيضا إعتراف صريح، -سواء درى أم لم يدر - بأن شخصيته هو لا وزن لها، وعلى ما يبدو فقد وجد ضالته ولن تكون إلا الشخصية الأوفر حظا في الفوز، بعد بوتفليقة، أعني السيد ''بن فليس'' إلا أن ''السي علي'' العالم بخبايا الأمور لم يسقط في حباله ورفض عرضه حسب ما صرح به وبهذا يكون الأخ مناصرة، قد ضاع منه كرسي الوزارة الذي كان يحن إليه وبصفة نهائية. ألم أقل منذ مدة أن أغلب هؤلاء الإخوة الاسلاميين المتشدقين بمعارضة النظام الباحثين عن مشرح توافق لن يتفقوا أبدا على مرشح من صفوفهم، وإن اتفقوا فلن يتفقوا إلا على رجل من صلب النظام. فها هو ''جهيد يونسي زعيم '' الإصلاح'' أو السياسي المحترف كما يدعي ينضم إلى السيد علي بن فليس، رئيس حكومة بوتفليقة، ومدير حملته الرئاسية الأولى. أما بالنسبة للسيد ''التواتي'' الذي طالما علقت على مواقفه وتصريحاته الغريبة، فقد تأكدت الآن، بأن الرجل مصاب بما يشبه مرض الوهم، كيف لا وهو يهدد بعصيان مدني عشية الانتخابات مطالبا أبناء الشعب بالبقاء في مساكنهم يوم الاقتراع، يقول هذا كأنه زعيم حزب جماهيري كبير، أو شخصية وطنية تاريخية يجلها الشعب إلى درجة تجعله يستجيب لندائها احتراما وتقديرا لماضيها المجيد. فحتى زعيم تاريخي من قامة ''آيت أحمد'' مثلا لا يجرؤ على توجيه مثل هذا النداء، لأنه يعرف أن مثل هذه الدعوة ليست واقعية. فالجزائر تعاقبت عليها أجيال منذ الاستقلال وتفرق شعبها شيعا وأحزابا وها هو يكاد اليوم يتفرق قبائل ومذاهب، بسبب هذه الطبقة السياسية المتردية، فكيف يطمح أخونا التواتي وهو رئيس حزب متواضع صغير، أن يسمعه الشعب، ناهيك عن أن يستجيب لدعوته ودعواه، ثم عندما يعلق على عودة أو يحيى وبلخادم، يقول بأنها تمت بطلب من فرنسا، أليس هذا هو الوهم والهراء بعينه!؟... هذا من جهة، ومن جهة أخرى، لو تابعنا تصريحات المنتقدين لبوتفليقة لوجدنا أغلبيتها - إن لم أقل كلها- صادرة عن أناس لم يحظوا بامتيازات كانوا يطمحون في جنيها خلال عهدته، أو آخرين كانت لهم امتيازات وفقدوها إبان حكمه، من وزراء وسفراء وولاة ورؤساء مؤسسات كبرى ونواب سابقين.قد أتفهم تذمر كثير من الشباب وانتقادات الكثيرين من المواطنين البسطاء الذين يعانون مشاكل لا حصر لها، وطبيعي أن يحمّلوا الرئيس مسؤولية معاناتهم فهو رمز الدولة، مع أننا نعرف أن المشكل ليس في الرئيس وإنما في الأجهزة الإدارية المختلفة، سواء على الصعيد المركزي أو المحلي، ولكن في كل الأحوال نحن نتفهم غضب هؤلاء. فالرئيس بالنسبة لهم هو المسؤول عن كل شيء ولو من الناحية المعنوية، قلت نحن نقبل غضب هؤلاء وسخطهم ولكننا لا نفهم، بل نرفض تماما انتقادات أولئك الذين أكلوا حتى التخمة من سلة النظام ونراهم اليوم في طليعة المنتقدين له تحسبا لتغيير إتجاه الرياح، فهم يميلون حيث مالت، لذلك نرى منهم من كان مع الرئيس ثم ساند بن فليس، سنة ,2004 ثم عاد للرئيس بعد فشل بن فليس، ثم ها هو يعود إليه اليوم دون خجل ولا حياء، لا شك أن السي علي'' يعرف هؤلاء وأنا على يقين أنه يستخلص من كل الانتهازيين إن كتب له الفوز في الاستحقاق القادم، ومما يثير العجب تلك الجماعة التي علقت قرار ترشيحها على مشاركة الرئيس من عدمها، مع أنهم يقولون أن الانتخابات محسوبية لصالح مرشح النظام، فإذا كانوا مقتنعين بأن الأمر محسوم لصالح هذا الأخير، فالأمر لا يختلف بالنسبة لهم سواء كان هذا الأخير بوتفليقة أو ''بن فليس'' و حمروش أو شخصا آخر، فلماذا إذًا سحب بعضهم ترشيحه بمجرد أن أعلن الرئيس عن دخوله المنافسة، هذا لا يعني إلا شيئا واحدا، هو أنهم لم يكونوا يخشون مرشح النظام . ¯ يتبع