إن قراءة الإنجازات التي تمت خلال عُهد الرئيس الثلاثة وفهم تأثيرها على البنية العامة للاقتصاد والمجتمع تقتضي وجوبا تحريرها من ضعف الاحترافية الاتصالية التي حاولت بنوع من الانفعال تبليغها للرأي من جانب و سم إستراتيجية احتواء الخطاب التضليلي المدروس الهادف الى تشويه المقاصد بالتلطيخ بالفساد و التنفير من الإجراءات بتفسيد الخدمة العامة وهذا بغية توظيف التشكيك بغية تعميق التفكيك المنهجي لتلك الرابطة التي تجسدت بين الرئيس والشعب. فواقع الحال ومعه الرهانات المعقدة والخطيرة التي تحيط بالبلاد وحال النخب السياسية أيضاً يُحتم على صُناع القرار في هرم الدولة تجديد المقاربة الاتصالية تجديداً يتكفل بصناعة خطاب ورأي بقدر ما يضع مسالة الدولة في قلب النقاش و يدعمها كخياَر استراتيجياً بقدر ما يربط ذلك بدور الرئيس بوتفليقة في تسطير المعالم الجديدة لنظام وطني يتحتم علية صيان استقلال البلاد و الرفع من وتيرة النماء التي ينتظرها المجتمع. إن الراي السائد اليوم في مسألة السلطة السياسية و معها صورة الرئيس لاَ يَنْكَبُ أبداً عن الشرعية و المشروعية بقدر ما ينكب على أولوية ضمان السلم بكل معانيه و على احتواء الانحرافات في مجال تسيير الشأن العام و الرفع الدائم لسمعة البلد في المحافل الدواية. وفي سياق تثمين الانجازات نجتهد في هذه المقاربة التي لا تمثل سوى الخطوط العريضة لجملة اقتراحات نحن بصدد التشاور حولها مع بعض المختصين و العلماء و قادة الراي الوطنيين النزهاء. مقاربة الحكامة تحيل من حيث المعنى إلى منهج مقاربة الشأن العام وترجمة ذلك في منظومات الحكم والقرار . والرئيس بوتفليقة ومنذ بداية عهدته الأولى من خلال حملاته وخطبه إلى الرأي العام زرعئمفهوم الحكم الراشد مقصداً وخياراً، بل ومدّد هذا المنهج إلى منظومة الحكم في افريقيا جارّاً كثيراً من النظم الأفريقية إلى ما أسسه الحكم ديموغرافيا من خلال محاربة ظاهرة قلب الحكم بالقوة مؤكداً في ذات السياق على جعل طرق الحكم في إفريقيا إلى تقييم دوري من طرف أهل الاختصاص السياسي في إفريقيا وكأنه بذلك يجر السياط من تحت هيمنة المنظمات الغير الحكومية المرتبطة بالقوى العظمى التي دوماً تبحث عن وصاية تقويم للدول الافريقية بخاصة. وانطلاقا من هذه الرؤيا سعى الرئيس بوتفليقة إلى وضع معالم لنموذج حكامة ترتقي إلى تحصين البلد من رياح الاختراق ومناورات التوتر مستثمرًا أولا في مسائل السلم الحيوي للمجتمع الذي يمثل حاضنة التنمية من جانب وإلى إعادة هندسة مكانة الجزائر في المحافل الدولية جاعلا من صوتها صوتا مؤثرا في الرأي الدولي ومن طاقاتها المادية والبشرية ورقة تموقع وتفاوض في الجغرافيا السياسية الدولية. ومقاربة تسيير الخيرات الوطنية واستثمارها في تقوية التوازنات الاجتماعية كالاستثمار في تشغيل الشباب والتخفيف من أزمة السكن التي كانت تمثل مُفجّراً اجتماعيا أدت إلى تخفيف واضح للتوترات الاجتماعية والسياسية. لقد أعاد الرئيس بوتفليقة زراعة مفاهيم الوطنية الاقتصادية والاجتماعية )خءشةدخءجةسح دخدحةرص ش سدةءج( بها حصَّن البلاد من مخاطر الهوة الاجتماعية والثقافية ومن نتائج كل هذا تقوت قوة المركزية السياسية للدولة وتدعمت قواعد الاقتصاد الوطني من خلال استرجاع القطاع العمومي حيويته وفعاليته فهذا الخيار الاستراتيجي الذي ظهرت معالمه في العهدة 2 ولم يأخذ حقه إعلاميا وتحليلياً مَثَلَ تحولاً استراتيجياً يظهر من خلال: أولا : استرجاع المبادرة للقطاع العمومي في ميدان الاستثمار . ثانيا : ترسيخ أسبقية القطاع العمومي في القطاعات الاستراتيجية المادة .51-49 ثالثا : التقليص الكبير والواضح للمديونية. رابعا: مساهمة الجزائر المؤسسات المالية الدولية. هذا يمثل من حيث الجانب الاستراتيجي امتلاك الجزائر لأوراق استراتيجية تسمح لها بالدفاع عن مصالحها بأريحية وتعطيها قدرات إضافية في تسيير الأزمات التي قد تطرأ على اقتصادها. فهذا التحول الاستراتيجي يحيل إلى فلسفة سياسية أَدّت إلى إعادة هيكلة للتدفقات التي تغذي السيادة الوطنية. ومن هذا الباب وبغض النظر عن النقائص التي واجهت هذا المشروع والعراقيل التي وضعت له من طرف القوى المعادية في الداخل والخارج فإن الرأي العام الجزائري وبفطنة واضحة مسك بحبل الدولة الوطنية من جديد وبقوة. فبقدر ما كانت المصالحة الوطنية تمثل من حيث المقاصد منهجاً حكيماً في مشروع ترميم النسيج الاجتماعي فإنه كان أيضاً عملاً في العمق طبعته مثابرة من الرئيس تُرجِمَت إلى تصالح بين المجتمع والدولة من جانب وبين الرأي العام والسلطة السياسية من جانب آخر. و إن ركز الإعلام على المصالحة الوطنية كقرارٍ سياسي و منهجٍ حكمه فإنه لم يشبع ذلك المقصد بقراءة مقاصدية ولم ينسج مفاهيم تترسخ كإنجاز حضاري تجني ثماره الأجيال و تستفيد من تدفقاته الأمة و الدولة. فالمصالحة و منهجها في الجزائر يجب أن تتعدى ز الأطراف التي سخرت نفسها بخروجها عن الدولة فاعلة خير الى الصناع الحقيقيين لهذا المسعى الذي استقر مطلبا في الضمير الوطني قبل ان يُقّر بِه من جعل من الجبل منطلقا لمحاربة الدولة و المجتمع من خلال مقاتلة جيش أبناؤه ابناء المجتمع على اختلاف اطيافه. فالبرامج التنموية قد وجهت في مجملها إلى القطاعات التي تدَمّرت خلال سنوات العنف والإرهاب. فالاستثمار في قطاع الزراعة أعاد التوازن النسبي إلى المحاصيل الاستراتيجية ومعها الأمن الغذائي الوطني. وقطاع المحروقات أخذ حصة في الاستثمارات القاعدية والاستكشافية فترتب عنه تقوية القوة التفاوضية للجزائر كبلد بترولي متوسطي. وقطاع التعليم بكل أطواره عرف استثمارات هيكلية عظيمة تمكنت من احتواء الارتفاع المتنامي سواء كانت من حيث الديموغرافيا الطلابية أو من حيث التنمية العلمية . أما استراتيجية التنمية الاجتماعية فقد عرفت مقاربات إستثمارية نموذجية دعّمت فرص الشباب في دخول عالم الشغل هنا من جانب ومن جانب آخر فقد ترجمت المبادرات الخاصة برفع الأجر القاعدي وما يرتبط به من ارتفاع واضح في اجور القطاع العمومي قد رفع من المستوى المعيشي العام وخفف الضغوط المطلبية ورمّم التفسخات التي أصابت الفئات الوسطة. هذه المعطيات كلها تحيل إلى تحكّم مُهم في حكامة الشأن العام، الشيء الذي جعل من الفاعلين السياسيين والشركاء الاجتماعيين يدعمون مخططات الرئيس ويساهمون في تحالف وطني واجتماعي حول سياسته، وهذه السياسة التي أحدثت تحولات واضحة في بنيات المجتمع خلال الخمسة عشر سنة الماضية هي ثمرة مجهودات لم يكن تحقيقها سهلا في ظروف دولية واقليمية قوة التعقيد وكثيرة الابهام. فتحول العالم المعاصر لم تعد تتحكم فيه حكم السياسية السلمية والمفاوضات الديمقراطية وإنما طبعته خلال هذه السنوات اختراقات لأمن المجتمعات العربية والافريقية، فبعضها سقطت نظمها وعصفت بدولها ونالت من مقدراتها الاقتصادية والثقافية . ودول أخرى تعيش عواصف هوجاء وليس ربيعاً جعلها تفقد توازناتها الحيوية وتفتقد أدوات الحوار والتوافق الذي يضمن خروجاً آمناً من الأزمات . أما الجزائر فبفضل حكمة رئيسها الذي وَفَّرَ لها أوراق المناعة التفاوضية استطاعت بالرغم من التهديدات والمؤامرات من الالتفاف على مخططات أعدائها فصانت سيادتها ودافعت على مكتسباتها ورسمت بغض النظر عن الصعوبات أمالا مقنعة لشبابها وجموع ساكنيها، وفي محصلة القول تمكنت الجزائر خلال خمسة عشر سنة الاستقواء بمقدراتها وبشعبها وليس بغيرها. والجزائر دولة محورية كما أرادت أن تكون وليس كما يراد لها أن تكون. ومن خلال هذا وذلك، فإن منهج الحكم ومسار التنمية إن طور للمستوى الحياة والمعيشة فإنه أيضا سيؤدي مستقبلا إن ضمنت الاستمرارية في الأمن والسلم إلى جعل الجزائر نموذجا فعّالاً ومؤثرًا على محيطه وعلى التحولات في المتوسط وإفريقيا. ولن يضمن بصفة جديّة إكتمال هذا المشروع وتبلور هذا النموذج إلا باستمرار الرئيس بوتفليقة في إتمام وإنضاج رؤيته لعهد تكميليّة تُدخل البلاد في سيرورة الأمن والامان النهائي وتعطي لرئيسها قيمة تاريخية تَسْتلْهِم منها الأجيال الصاعدة.