في حديثه مؤخرا للصحافة، على هامش زيارته لولاية تبسّة، قال السفير الفرنسي إنه فرح بانتصارات الجزائر الكروية.. وأضاف السيد خافيار دريانكور مازحا، كما نقلت الجرائد الوطنية: أن لقاء ودّيا سيجمع الجزائروفرنسا بعد ضمان تأهل فريقي البلدين، في حال لم تجمعنا قرعة كأس العام في مجموعة واحدة. السفير الفرنسي "المبجّل" كان في زيارة لولاية تبسة التي أعجبته وأبهرته بطبيعتها وموقعها والقاعدة التي تملكها في مجال الاستثمار، على حد تعبيره، وكانت فرصة سانحة له، على ما يبدو، ليتحدث أمام الصحافة حول العلاقات الفرنسية الجزائرية "المتميزة للغاية" خاصة بعد الزيارة الرسمية للرئيس نيكولاي ساركوزي للجزائر قبل سنتين.. زيارة مهدت لزيادة التعاون الاقتصادي بين البلدين في عدد من المجالات وأثمرت تلك الزيادة الكبيرة في عدد الشركات الفرنسية التي تستثمر في الجزائر حيث وصلت إلى أربعمائة شركة وفرت خمسة وثلاثين ألف منصب عمل للجزائريين على حد قول السيد السفير دريانكور. تلك هي الأرقام التي »أتحفنا« بها السفير، ولم يبخل علينا أيضا ببشارة أخرى وهي أن الأرقام التي وضعها بين أيدينا مرشحة للزيادة »في ظل المساعي القائمة بين البلدين لتطوير وتفعيل مجالات الاستثمار، خاصة أن الجزائر تعتبر السوق الثانية لفرنسا عالميا بعد الصين«. السفير الفرنسي تحدث أيضا عن ضحايا التجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية ليؤكد أن هناك لجانا مكلفة بدراسة الملف الذي قال إن الفصل فيه بات قريبا، كما تطرق إلى موضوع آخر مهم ، ولا ندري بعد شرّه من خيره، وهو قضية التجنيس، حيث أكد أن الجزائريين الذين ولدوا قبل فجر الاستقلال في فرنسا لهم الحق في الجنسية الفرنسية، والذين ولدوا أيضا في تلك الفترة لكن خارج التراب الفرنسي فأمرهم في انتظار الفصل.. قضية تعيد إلى الأذهان ذلك الجدل الذي دار أيام الحركة الوطنية الجزائرية حول قبول الجنسية الفرنسية، بين داع لذلك، وبين رافض متشدد لا يرى في الأمر أكثر من مراوغة استعمارية تهدف إلى تحقيق حلم الجزائر الفرنسية الذي حاول دهاقنة الاستعمار الوصول إليه بشتى الوسائل. سعادة السفير إذا تحدث عن عدد من الملفات العالقة، تلك التي تعكف لجان فرنسية على دراستها، ونسي، أو تناسى، أن الملفات التي خلفها الاستعمار في بلادنا لا تحتاج إلى دراسة عند أغلب الجزائريين، عدا أولئك الشواذ ثقافيا ووطنيا، لأنها ملفات واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار.. إنه مستعمر غاشم هاجم بلادنا واستغل ثرواتنا مدة قرن وثلث قرن.. اضطهد شعبنا وقتل الملايين بالسلاح أو التسبب في المجاعات والأوبئة وغيرها.. إنه ملف لا يحتاج إلى لجان متخصصة أو غير متخصصة فهو حقيقة تاريخية يعرفها القاصي والداني.. وأول خطوات طيّ ذلك الملف هو الاعتراف أولا ثم الاعتذار لتتبعه بقية الخطوات. إن فرنسا الرسمية ما زالت تستفز ذاكرتنا الوطنية من خلال ذلك القانون الذي يمجد عقود الاستعمار الطويلة ويعتبرها خيرا وبركة على شعوبنا التي عانت الويلات من »الاستدمار« وأذنابه.. ألا ما أسخفه وأوسخه وأوقحه من قانون ذلك الذي يعتبر الجيوش الجرارة، التي دمرت الأخضر واليابس في بلادنا، رسل سلام ودعاة حضارة وبناة مدنية. إن الحديث عن الاقتصاد والاستثمار، دون الشروع في خطوات جادة على طريق الحل الشامل لجميع القضايا العالقة، قفز إلى الأمام، وقد يشكل تماديا في الاستهتار بالطرف المقابل والسخرية منه، وبشكل مدبر ومقصود. إننا ندرك جيدا خطورة النبش في ملفات الماضي من أقصاها إلى أقصاها، وفي جميع دول العالم.. ندرك أن ذلك الأمر قد يسبب شرورا عظيمة ويبرز إلى السطح خلافات لا أول لها ولا آخر.. لكن أضعف الإيمان أن نسمع كلمات اعتذار رسمي، يتلوها كف الأيادي الفرنسية عن مواصلة النهج القديم الموغل في الخطأ والجهالة.. نريد أن ترفع فرنسا يدها عن بلادنا وتترك لنا مطلق الحرية في أن نقرر ما يوافق هويتنا وتاريخنا وتطلعاتنا العادلة.. أن توقف دعمها السخي لكل "الجهود" الظاهرة والمستترة التي تخدم المشروع الاستعماري القديم. إننا في عصر القرية العالمية الواحدة وحوار الحضارات وتقارب الثقافات والأديان المختلفة، أو في عصر الدعوة إلى ذلك على الأقل.. ولا يوجد جزائري في عقله ذرة من حكمة يرفض التعايش ويستبدله بالتنابز والصدام والتطاحن... لكن تصرفات نظرائنا في الضفة الأخرى من المتوسط تشي بأنهم ما زالوا يرمقوننا من وراء تلك النظّارات التي وضعها الغزاة القدامى على عيونهم وهم يهاجمون سواحلنا ويتوغلون في أراضينا. لقد توقعتَ سعادة السفير مباراة ودية أو مقابلة رسمية في ميدان كرة القدم، لكن الحقيقة أن المباريات بين بلادنا وبلادكم لم تتوقف يوما منذ وطئت أقدامكم أراضينا عام 1830، وحتى عندما انتهي السجال العسكري بإعلان الاستقلال ظلت المباريات مستمرة في ميادين ومجالات أخرى. نعم إن المباريات مستمرة، وإذا كان فريقنا قد بدا خلال العقود الماضية غير كفء في بعض جوانبه التقنية والنفسية، فكانت الغلبة لكم في كثير من الجولات.. فاعلم أن الأيام دول، وسيأتي الفريق »الندّ« يوما ما وتبدأ تلك المباراة المتكافئة اقتصاديا وسياسيا وثقافيا.