تسعة شهور على تولي باراك أوباما منصب الرئاسة في الولاياتالمتحدةالأمريكية كانت كافية لمنحه جائزة نوبل للسلام رغم أنه يعترف بأنه لم يغير الشيء الكثير في سياسة أمريكا. رئيس أمريكا التي تخوض حروبا في أفغانستان والعراق وتنشر قواعدها العسكرية وصواريخها النووية في قارات الأرض وبحار ومحيطات العالم، وتنشر أقمارها الصناعية في الفضاء للتجسس ورصد تحركات الأعداء والحلفاء على السواء، أصبح الآن رمزا للسلام، والجائزة منحت له نظير إعلانه عن نوايا يعتبرها العالم طيبة، فقد قال إنه يريد أن يمد جسورا جديدة مع العالم الإسلامي، وإنه يفضل أن يحل الأزمات بالدبلوماسية لا بقوة السلاح، وأكثر من هذا فإنه يدعو إلى تخليص العالم من الأسلحة النووية وشرورها. أمريكا هي القوة العسكرية والاقتصادية الأولى في العالم، وهي أكبر منتج ومصدر للدمار وأسلحته في العالم، ومع هذا فإن العالم يأمل في أن يغير أوباما وجهة هذه القوة الجبارة الطاغية نحو سياسة أكثر توازنا وحكمة لتكون النتيجة في النهاية عالم يسوده الحد الأدنى من السلام. الخطوة التي أقدمت عليها لجنة جائزة نوبل مغامرة كبرى، وهي بكل تأكيد تريد أن تشجع الرئيس الأمريكي على المضي قدما في سياسته المعلنة من أجل تغيير أمريكا، ومن خلال تغيير أمريكا تغيير العالم، وجائزة نوبل قد تشعر أوباما، وهو رئيس أمريكا، بحجم المسؤولية الأخلاقية التي يتحملها رمز السلام وهو صاحب النفوذ الأكبر في العالم، ومالك قرار الحرب والسلم في كثير من قضايا الكوكب، والجائزة بعد ذلك كله تعبير عما يأمله العالم من الرئيس الأمريكي ومن أمريكا أيضا. في مقابل هذا، ماذا سيبقى من نوبل عندما يكون حامل جائزة السلام قائدا أعلى لأكبر جيوش العالم التي تدك بيوت الآمنين وتقتل المدنيين في كل أصقاع الدنيا، وماذا يمكن أن نسمي داعية السلام الذي يوقع قرارات الغزو والاحتلال والتدمير ويوقع صفقات بيع السلاح وتصدير آلات القتل الجماعي. لقد غامرت لجنة نوبل، وهذه ليست المرة الأولى، لكنها هذه المرة تأمل أن تنجح في شحذ همة الرئيس الأمريكي لتسريع عملية التغيير والانتقال بها من مرحلة النوايا إلى مرحلة التجسيد، وإذا لم يحدث هذا فعلى الأقل قد تسهم المغامرة في لجم الآلة الأمريكية المدمرة بفعل ما تمثله الجائزة من قيود أخلاقية على حاملها، والكل يتمنى ألا يكون أوباما مثل شمعون بيريز الذي ارتكب جرائم الحرب في قانا ووسام نوبل للسلام يزين صدره.