تم اثناء الحرب العالمية الثانية استعمال كل وسائل الاعلام المعروفة انذاك؛ وإقحامها في الحرب الدائرة رحاها في أوروبا وضفاف المتوسط والأطلسي، فأسست وزارات للإعلام والدعاية؛ وأنشئت جرائد ومجلات عابرة للحدود والقارات، وطورت وسائل اخرى للاتصال منها الهاتف السلكي واللاسلكي، والبرق؛ وانتشرت الإذاعات آلتي كانت في خطواتها الاولى، فقد كانت اكثر حداثة، وجاذبية وجماهيرية في نفس الوقت، اذ سرعان ما تم اعتبارها من أحسن الأدوات التي تخاطب الأنصار والأعداء في نفس الوقت، ولها القدرة الى النفاذ مباشرة لمخاطبة جماهير العدو ، ودعوتهم للتخلي عن قياداتهم التي تزج بهم في أتون هذه الحرب الخاسرة، وهكذا ولاول مرة في التاريخ تُستعمل الإذاعة كأداة حرب بين دول المحور والحلفاء، بيد ان مكان إطلاقها وجد صعوبة بالنسبة لفرنسا التي كانت حكومتها الحرة في المنفى، ولم تجد المقاومة الفرنسية بدا من التفكير طريقة لمخاطبة الفرنسيين عبرها فالأراضي الفرنسية محتلة والمستعمرات بعيدة نسبيا، ولم يبق أمامها الا البحر، ولهذا جهزت سفينة بإذاعة وجعلتها ترسل بالقرب من الشواطيء الفرنسية، ولم يجدوا ما يطلقونه على هذا النوع من الإذاعات الا هذه العبارة الانجليزية off-shore اي بعيدا عن الشاطئ ، فصارت مصطلحا لدى ذوي الاختصاص، يعني البث من بعيد، اي خارج الاماكن المسيطر عليها من قبل الخصوم، وايضاً خارج القوانين التي تتحكم في الفضاء المستهدف للبث ومنذ ذلك الوقت أصبحت إذاعات offshore تستعمل في يد المعارضات والثورات، كوسيلة أعلام من جهة ووسيلة دعاية من جهة اخرى، بغض النظر عن مكان الببث بحرا كان، ام أراضي محررة،ام من أراضي استضافة، وبعد حوالي عشر سنوات من ذلك انطلقت الثورة الجزائرية التي لم تجد بدا من الاستفادة من إذاعة offshore هذه حيث لجات في البداية الى الإذاعات الشقيقة والصديقة لإرسال موادها الإعلامية، لكنها ومن اواسط سنة 1957أسست إذاعة ( الجزائر الحرة المكافحة) التي ابتكرت طريقة البث من شاحنة متحركة ببطء قرب الحدود الجزائرية المغربية، وتحركها كان بهدف الا يحدد مكانها من قبل العدو وقنبلته كما حصل في الناظور المغربية في حالة سابقة، وقد حققت هذه الإذاعة نجاحا منقطع النظير في فترة وجيزة وإذا كانت إذاعة offshore قد استخدمت في الحروب والمقاومة فان الوضع في زمن العولمة واحادية القطب قد تغير، وصارت هذه القنوات تستخدم في الدعاية، والإشهار التجاري، والترويج لنموذج المجتمع الاستهلاكي، وبل وتركت مجال الهيمنة للتلفزيون الذي صار اهم وأخطر وسائل الاعلام، فقد استخدم في حروب الخليج بشكل مكثف، وكان البث هذه المرة عبر الأقمار الصناعية، ولكن ظلت طريقة offshore هي السائدة باعتبارهاأحسن وسيلة عابرة للحدود الوطنية وهو ما يعبر بوضوح عن اضمحلال الحدود التقليدية للدولة، كما يعبر عن اتساع رقعة الحرية والقدرة على التخلص من الرقابة التقليدية على وسائل الاعلام، والتمكن من التعبير الحر والوصول الى اكبر عدد من الجماهير. من هذه الزاوية صار في الإمكان استخدام هذه المستحدثات كوسيلة للهروب والتخلص من القوانين المحلية الجائرة، والجامدة، والمختلفةً. وفي الجزائر حيث كانت تهيمن القوانين المتخلفة والجامدة استخدمت فضائيات offshore لأول مرة في مع تلفزيون القنوات البربرية وbeur والخليفة، بيد انها في السنوات الاخيرة ومن ضمن تداعيات ما يعرف بالربيع العربي تم فتح فضائيات offshore الجزائرية خارج القوانين الجزائرية التي ظلت تحول دون الانفتاح الإعلامي؛ فتحت بغرض تجاري، وطبيعة خاصة، وتبث من بلدان اخرى ذات قوانين منفتحة مثل بريطانيا والأردن ولبنان،،،، وبذلك خلقت هذه الفضائيات أمرا واقعا جديدا، حيث ان مكاتبها في الجزائر، وكل عمالها جزائريون، ومنتجاتها جزائرية، وموضوعها الجزائر، وموجهة للجماهير الجزائرية، وهذا ما يعطي صورة واضحة عن تخلف القوانين الجزائرية وعدم مواكبتها لتطورات العصر. وبهذا تكون قد أكدت مرة اخرى فكرة النزوع نحو التمرد على القوانين القائمة في السلوك السياسي الجزائري، حيث يسود التنافربين الواقع المعيش وما ينص عليه القانون. وطبعا يمكن ان نشير الى ان صدور قانون السمعي البصري قد وضع لبنة جديدة في الحد من ذلك، لكن آليات تطبيقه يبدو انها تسير بسرعة السلحفاة في زمن السرعة الفائقة لسرعة الصوت . [email protected]