هناك أسئلة ملحة باتت تُطْرَحُ في أكثر من عاصمة وأكثر من موقع فكري كان أوسياسي، عن مستقبل الوطنية وهل أصبحت في خطر؟، هل ضعفت الوطنية ووهنت وباتت مهددة بالزوال والاندثار، وخاصة لدى الفئات الشُبَّانية التي لم تعش زمن الحروب الوطنية والثورات التحررية المطالبة بالاستقلال وبحق تقرير المصير ووحدة الشعب والمصير؟.. هل ضاعت بُوصَلة الوطنية في ظل تراكم وزحمة المشاكل اليومية للناس وانعدام الحوار وضعف التواصل بين المسؤولين والمواطنين ومختلف الشرائح الممثلة لهم عبر المجتمع المدني، في ظل عجز بعض المسؤولين عن إيجاد الحلول ، وغياب الرؤى والاستراتيجيات التنموية الناجعة وفي ظل انعدام البدائل الحقيقية للاقتصاد التقليدي أوالاقتصاد القائم على الريع والثروات الباطنية الآيلة للزوال وفي مقدمتها المحروقات وضعف التسيير وطغيان التسيب والمحاباة والجهوية وانتشار الفساد المالي والأخلاقي ؟ هل ضاع الريموت كونترول أوالحاكوم حتى أصبحت التوترات الاجتماعية والسياسية واحدة من العناصر العاملة على إسقاط العديد من الأنظمة، ومن ثمة ظهور بوادر توتر تشكل الآن مصدر تهديد للعديد من الدول الوطنية بانقسامات خطيرة جغرافيا وعرقيا ودينيا، ومن ثمة راحت تضعف الوطنية وتعيد مظاهر القبلية والعشائرية وحتى الحروب الأهلية من جديد إلى مسرح الأحداث وتؤدي إلى زوال المسكِّنات التي كانت تُستخدم من طرف مختلف الأنظمة لتقوية الحس الوطني وحتى إلهاء الناس بما يعرف بالمُسَكِّنَات ؟ . هل نحن أمام ظاهرة عودة نظام القبيلة والعشيرة والجهة على حساب الدولة الوطنية بعد زوال العناصر الجامعة الموحدة للشعب من حس وطني مشترك ورقعة ترابية واحدة ولغة واحدة ونظام سياسي واحد وعلم واحد ونشيد واحد وشعب واحد في رقعة جغرافية واحدة.؟ هل طغت الماديات على الأفكار الوطنية التي كانت سائدة من قبل بعد أن أصبح هَمُّ الكثير من الناس وخاصة الشباب منهم البحث عن الكماليات وتحقيق الامتيازات الاجتماعية من وظيف وترقية سريعة وسكن وسيارة ورفاهية ومتعة متعددة الأشكال بأقصى سرعة ممكنة على حساب كثير من القيم التي كانت سائدة من قبل؟ أيُ مستقبلِ للوطنية في ظل التوترات والحراك الاجتماعي المتعدد الأشكال والمطالب والألوان والذي بات يأخذُ أحيانا شكل مطالبَ حادة وثورات عنيفة بل وحروب أهلية مدمرة ضد الكثير من أنظمة الحكم بدعوى تلبية تلك المطالب تارة والمطالبة بالتغيير السياسي تارة أخرى، وتحت طائل مطالب متعددة من وظيف وسكن ومطالب اجتماعية وسياسية عديدة تذهب إلى حد الدعوة لإسقاط نظام الحكم بل والانفصال في بعض الجهات والمناطق المتفرقة من العالم العربي خصوصا . هل انتهى عصر الوطنية الجامحة التي كانت تحرك الشعوب وتجعلها تثور ضد مستعمراتها القديمة.؟ أتراها انتهت تلك الأفكار الوطنية المُثَوِّرة للشعوب والتي كانت تجعلها تنسى كل همومها واليومية وأزماتها ومعاناتها الاجتماعية فتقف مجندة حول فكرة واحدة وخصوصا كلما تعلق الأمر بالاستقلال أوبأية قضية وطنية جامعة.؟ وهل أن الحديث عن الوهن الذي أصاب الوطنية هومجرد تخمينات غير دقيقة وليست علمية في ظل غياب دراسات وأبحاث ميدانية، أم أن الواقع المعاش وخصوصا ما حدث من انقسامات في جنوب السودان خصوصا وفي العراق من خلال الكيان الكردي في الشمال والدعوات الصادرة في ليبيا واليمن بالنسبة للجنوب وغيرها من البلدان العربية هوالصورة المجسدة لهذا الوهن، بل والمرض الذي أصاب الوطنية ؟ وفي المقابل هل أصبحت المواطنة بديلا للوطنية؟ قبل الحديث عن هذه مفاهيم الوطنية وتطبيقاتها الميدانية وعن بعض هذه التساؤلات دَعُونا نَعْرفُ أولا مفهوم الوطن . يُعَرِّف علماء اللغة الوطن بأنه المكان الذي يأوي إليه الإنسان ويظم شعبًا أو مجموعة من القوميات المتعددة الأعراق والأديان والمذاهب وحتى اللغات، ولكنهم يشتركون جميعا في رقعةِ ترابية واحدة بجبالها وسهولها ووديانها ومنخفضاتها وصحاريها وتجمعهم أهدافٌ وقضايا مشتركة من لغة ودين أو أديان ومذاهب أولغات وتراث مشترك وعادات وتقاليد وتاريخ، وهي جميعها تشكل إرثا مشتركا بين الشعب وتربته بكل ما ينتجانه من تفاعل وانسجام . ومن ثمة تغدو الوطنية سمة رئيسية لحب الوطن والتعلق بترابه وناسه وتراثه وثقافته وعاداته ودينه، وباختصار الانتماء للوطن بكل مكوناته. وفي مفهوم الفكر السياسي فإن الوطن يصبح رديفا للأمة . وتُعَدُّ الوطنية من بين أهم عناصر التفاعل مع أحداث الوطن بأفراحه وأحزانه من خلال حب الفرد والشعب عموما لوطنه والدفاع عنه في حالة الاعتداء عليه كيفما كان شكل الاعتداء ، والتفاعل في نفس الوقت مع المناسبات الوطنية والدينية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية . ومعنى ذلك أن مسألة الوطنية ليست مجرد انتماء للوطن ولكنها حالة نفسية تجعل الفرد والشعب عموما يحب وطنه ويتفاعل مع مختلف أحداثه مُرِّها وحُلْوِها . ويذهب بعضهم أن الوطنية تصبح في حالةِ تَعَرُّضِ الوطن لخطرٍ ما أو لاعتداء عليه إلى نزعةٍ قوية للدفاع عن الوطن .. وإذا كانت الوطنية كما أشرتُ لذلك في البداية تتعرض للوهن والضعف فهل يمكن تَجْذِيرُها وتأْصِيلُها وبعثُها من جديد خاصة في الأجيال الجديدة التي لم تعش زَخَمَ زمن الثورة وتأجُّجَ الروح الوطنية . هناك عناصر متشابكة في هذه المسألة ..عندما نتحدث عن هذه المسألة في الجزائر مثلا ونعود للتاريخ نستقريء أحداثه ووقائعه قبل اندلاع ثورة أول نوفمبر1954 نلاحظ أن فرنسا توهمت آنذاك أن روح الوطنية خمدت بل وانتهت لدى غالبية الشعب الجزائري، وأن الاندماج أصبح هوالحالة السائدة . فقد كانت القوة المستعمرة السابقة تتوهم أنها قضت نهائيا على النزعة الوطنية الاستقلالية في أوساط الشعب وأنها روَّضَت الطبقة السياسية لتندمج في فرنسا وتصبح جزء منها. ولكن مجازر الثامن ماي 1945 جاءت في لحظة فارقة من الزمن لتضع حدًّا نهائيا لأوهام فرنسا التي كانت ترى في الجزائر قطعة من فرنسا وجزءً لا يتجزأُ من ترابها وحضارتها، إذ أيقظت تلك المجازر الروح الوطنية من جديد وخاصة في أوساط ما كان يعرف بالحركة الوطنية وبالأخص لدى مجموعة من الشبان الذين قرروا القطيعة النهائية مع الاستعمار وإعلان الثورة لاستعادة حرية واستقلال الوطن، كما سفَّهت أفكار دعاة الاندماج . حيث راح دعاة الاندماج من أمثال المرحوم فرحات عباس يراجعون أنفسهم وطروحاتهم المناقضة لحركية التاريخ بعد تلك الأحداث . ألم يكن فرحات أولُ رئيس للحكومة الجزائرية المؤقتة هونفسه الذي صرح بالحرف الواحد قبل تلك المجازر : ) الجزائر كوطن هي أُسْطُورة وخرافة لم أكتشفها ، فقد سألتُ التاريخ، وسألتُ الأموات والأحياء وزرتُ المقابر ، ولم أجد أحدا يتحدث أويتكلم عنه).؟ !! وأود هنا أن أقتبس جزءً مما جاء في نص محاضرة لي ألقَيْتُها بجامعة بوزريعة حول موضوع : )الشباب من الوطنية إلى المواطنة( في ديسمبر2009 : كانت الوطنية بالنسبة لنا نحن الجزائريين أثناء الفترة الاستعمارية الحصن الذي احتمى به الشعب وخاصة شبابه للحفاظ على شخصيته ودينه وتاريخه ولغته ووحدته . فباسم الجهاد والوطنية قاوم الشعب الجزائري المستعمر، وباسم الدين والوطنية تمسك بكل مقومات الأمة والوطن . وقد كانت الوطنية والدين الوقود الذي يلهب حماس الشعب وخاصة الشباب في مقاومات ما كانت لتخمد الواحدة منها حتى تبدأ الأخرى متكاملة الحلقات مترابطة الأجزاء . وقد أخذت جبهة التحرير الوطني على عاتقها مهمة الكفاح السياسي والعسكري والدبلوماسي في ثورة شاملة كانت نتاج نضالات الحركة الوطنية التي انصهرت بأحزابها وشخصياتها البارزة في بوتقة واحدة ، إذ تمكنت في النهاية من دك حصون المستعمر وتقويض أركانه بعد أن حاول طيلة قرن وأزيد من ربع قرن تغيير معالم الأرض ومحوالشخصية الوطنية الجزائرية ومحاولة مسخها بضرب مختلف مكوناتها من دين ولغة وعادات وتقاليد وتاريخ وحتى تغيير لمعالم وطبيعة الأرض والعمران . وقد كان الانتماء للوطن عبر وطنية صادقة غير مزيفة وغير مادية أقوى من كل الانتماءات الأخرى ، فبها تمكنت الثورة من استعادة الاستقلال وتحرير الوطن والإنسان . فما هي أسباب الوهن والضعف الذي أصاب الوطنية ؟ . يقول أحد الكتاب اليمنيين : مسكين هذا الوطن الذي ضاع بين تنمية الحكومة وإصلاح المعارضة، فلا التنمية تحققت ولا فاز الإصلاح . مسكين هذا الوطن الذي يتغنى به الحرامي قبل الشريف والمنافق المرائي قبل الصادق النصوح، والمُتَنَفِّذُ الفاسد قبل الفقير المصلح . مسكين هذا الوطن الضائع مع حكومة تريد له التنمية دون أن تقضي على الفساد المنتشر بين أروقتها. ويبدو لي أن هذا الوصف يكاد ينطبق على حالة عدد من الدول في العالم وخصوصا معظم الدول العربية. هناك مجموعة من العناصر باتت تهدد الوطنية في الصميم بل وتهدد الدولة الوطنية ككل نتيجة عدة مشاكل داخلية وخارجية. داخلية ترجع أساسا لحالة الإحباط التي باتت تسود مختلف الأوساط وخاصة الفئات الشبانية بفعل التسيير السيئ وطغيان بعض المظاهر السلبية من رشوة وفساد في مختلف أجهزة هذا النظام أوذاك في مختلف الدول، وتكبيل جهاز العدالة من طرف السلطة التنفيذية وبعض المتنفذين وخصوصا أصحاب المال، ومن ثمة منع العدالة من القيام بدورها في محاربة مختلف المظاهر السلبية من خلال التغطية على كثير من التجاوزات التي يقوم بها بعض المسؤولين أو أقاربهم والمرتبطون معهم ببعض المصالح والامتيازات . يضاف إلى هذا عناصر خارجية لا يمكن أن ندرجها تحت طائلة ما صار يصطلح عليه بفعل المؤامرة الأجنبية ، فإضافة إلى هذه العناصر هناك بعض التجاوزات الداخلية التي فعَّلت بل وسهلت التدخل الخارجي . وهناك عناصر أخرى تؤدي باستمرار إلى استنزاف قوة الوطنية وإضعافها، مثل مسألة الشرخ الذي أصاب الهوية الوطنية الجامعة للشعب بعد جهر عدد من الأشخاص وحتى التنظيمات السياسية والدينية والاجتماعية والثقافية للمطالبة بالانفصال عن الوطن الجامع وبدرجة أقل بالحكم الذاتي باعتبار أن هذه القومية أوتلك تختلف عن باقي المجموعات السكانية الأخرى. ولعل الحالة السودانية عبر انفصال الجنوب عن الشمال وكذا الحالة الكردية واليمنية الجنوبية والحالات الليبية التي باتت تأخذ شكل عرقيات عدة دليل واضح على الهشاشة التي باتت الهوية الوطنية الجامعة ومن ثمة الوطنية تتعرض لها الآن في عدد من الأقطار العربية . العنصر الآخر هوظاهرة العصيان المتعدد الأشكال ضد كيان الدولة بحد ذاته، وكذا التوترات وحتى النزاعات المذهبية والعرقية من اصطدامات بين فئات من المواطنين في الرقعة الجغرافية الواحدة وقيام بعض الشبان أو المجموعات السكانية بغلق للطرق أوتخريب للمنشآت العمومية والخاصة للمطالبة بالسكن أوالتشغيل وتحسين الحياة الاجتماعية عموما، وهي مظاهر خطيرة باتت تتوسع وتتجاوز حدود العقل والمنطق والقانون ومنطق الدولة بحد ذاته. ويضاف إلى كل هذا أن اعتلال الوطنية مصدره عناصر مضافة من بينها : انهيار المنظومة القانونية والعرفية والأخلاقية التي تتحكم في الناس وزوال الانضباط خاصة بعد ظهور عدة عناصر ساهمت في هذا مثل الثورة التكنولوجية ووسائل الاتصال التي سهلت سرعة المعلومة وانتشارها الواسع. ضعف الأداء السياسي ، وانشغال السياسيين بالحملات الانتخابية ومعارضة السلطة أودعم السلطة بدل تقديم برامج وبدائل . هشاشة الأوضاع الأمنية . تغول المعارضة وتحولها إلى ظاهرة سلبية للممارسة السياسية من خلال المغالاة في المطالب والعجز عن تقديم الحلول . عجز كثير من الأنظمة والحكومات على تقديم بدائل ناجحة في التكفل بقضايا المواطنين وفي النهوض بالتنمية ككل وكذا عدم القدرة على الإقناع والحوار والتواصل مع المجتمع. تحول الشبكات الاجتماعية للتواصل وبعض الوسائل والقنوات الإعلامية والاتصالية إلى وسائل مغذية للعنف والتحريض بدلا من أن تخلق ثقافة تعزيز الوحدة الوطنية دون إغفال مظاهر التسيب والتسيير السيئ والرشوة والفساد . انتشار العنف والإجرام بشكل لافت وتفشي بعض الأمراض الاجتماعية بسبب الانتشار السريع والحاد للمخدرات وما باتت تغذيه من مظاهر عنف ضد الأسرة وكيان الدولة ككل. فكيف يمكن مواجهة هذه العناصر المثبطة للوطنية، بل وكيف يمكن أن نفجر ينابيع الوطنية من جديد ؟. إذا كانت الوطنية ليست الحب المظهري للوطن ، بل هي التفاعل الايجابي مع جميع أحداثه، فإنني اعتقد أن من بين العناصر الداعمة للوطنية وتجذيرها وبعثها من جديد هي : تعزيز روح الوطنية بحد ذاتها والتشجيع على ثقافة المواطنة والعمل على إحياء مختلف العناصر من إبراز الثقافة الوطنية وتجديد عناصرها بما يتلاءم والنظرة الجديدة للأجيال الصاعدة وعدم الاكتفاء بالخطاب الشعبوي الذي لا محتوى له والذي لم يعد يجد صداه لدى مختلف الفئات وخاصة الفئات الشبانية المؤمنة بالواقع . إن المواطنة التي يجب تعزيزها تعني مجموعة من المفاهيم ، فبغض النظر عن كونها تعني الانتماء للوطن مولدا وأصلا وتاريخا وانتماء حضاريا وروحيا وفكريا وثقافيا واجتماعيا وامنيا واقتصاديا، فإن للمواطنة مفاهيم عدة من بينها أنها نسيجٌ من علاقات إنسانية ومن تبادل منافع ومصالح، مثلما تعني كذلك التفاعل والمشاركة الشاملة في بناء المجتمع، بما في ذلك المشاركة السياسية عبر الترشح والانتخاب وفي الحياة النضالية والسياسية عموما داخل الأحزاب . وللمواطنة عدة أبعاد قانونية واجتماعية واقتصادية وثقافية وحضارية وتاريخية. ويرى بعض المفكرين أن المواطنة هي الحضن الرئيسي للهوية الوطنية . صحيح أن المواطنة في ظل العولمة لم تعد تقتصر على البلد الواحد، ولكن تعزيزها وتفعيلها يمكن أن يؤدي إلى تأصيل الوطنية وبعثها من جديد. فبعد أن كانت بعض البلدان تمنح وبكيفية محدودة لبعض الأشخاص المتميزين في بعض المجالات والتخصصات صفة المواطن الفخري لهذا المواطن أوذاك، ولو كان لا ينتمي أصلا لهذا البلد ،فإن بعض البلدان المنضوية في تنظيمات واتحادات مثل الاتحاد الأوروبي صارت تمنح صفة المواطنة لمواطني الاتحاد عموما دون تمييز ، فإضافة إلى الفيزا فهي تمنحهم الحق في الإقامة الدائمة والعمل وفي حرية التنقل . ولكن ما مصير الوطنية في الرقعة الجغرافية للوطن الواحد في ظل هذا التغير.. وهل أن وهج الوطنية في زوال؟ وهل أصبحت الوطنية من المعالم الشمولية الزائلة كما كان عليه الحال بالنسبة للوطنية السوفياتية التي انهارت بانهيار الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية ككل.؟ إنني اعتقد أن هناك تكاملا وتلاحما بين تجذير الوطنية وبعثها من جديد وتفعيل المواطنة. ولاشك أن العوامل المؤدية للتجذير والتفاعل تتعدى حدود المسؤولين الممارسين لمهام ومسؤوليات تابعة لأجهزة الدولة في القطاع العام، بل تشمل مجموعة من العناصر المكملة من مثقفين وقائمين على الإعلام والاتصال ومجتمع مدني ومسؤولين في مختلف دواليب الدولة والحكم عبر تهذيب الحياة السياسية بما يجعل المواطن يشعر فعلا أنه في دولة القانون وبما يجعله يتفاعل مع منظومة التسيير والمنظومة القانونية لدولته، بل وبما يجعله يقدم على المشاركة والتغيير في الحياة الشاملة سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا وأمنيا لصالح بلده. فالمواطن عندما يشعر بأنه يشارك في بناء منظومة الحكم والدولة عموما يصبح عنصرا فاعلا في تجذير الوطنية وعامل بناء واستقرار لكل مكونات الدولة، بل وتصبح الوطنية تعلقا بالوطن لا مجرد شعار بالنسبة له . أي أن المواطن في ظل هذا الوضع لا يحتاج لمسكنات أولِمُفَعِّلاتٍ تُثْبِتُ دَيْمُومَةَ وطنيته ، بل يصبح هوالدِّرعُ الواقي للوطن؟ بل وطنيًا بالسَّليقة ولا يحتاج لوسائل التعبئة والتحصين ليكون وطنيا أوليشعر بالمُواطَنَة.