نوفمبر عندما يعود علينا كل عام، إنما ليذكّر الأجيال التي تحتفل به أو المشاركة في أعراسه، بمجموعة من القيّم تتجاوز لحظة وضع الباقات من الزهور على أضرحة الشهداء والتلاوة التقليدية لفاتحة الكتاب على أرواحهم، إلى استلهام أسباب القوة وإعداد عدة النهضة من تلك الهبّة الكبرى التي قام بها فتية آمنوا بالله والوطن والشعب، وباعوا- حقيقة- أنفسهم فتمردوا على التخاذل وانتفضوا على الذل وثاروا ضد الاستدمار، فالتحقت بهم الأمة وهي تحتسب كل الذين تساقطوا على ضفاف السبع سنوات ونصف السنة من الثورة العارمة. كي لا تتحوّل الذكريات في يومياتنا إلى مجرد أصنام نعبدها، أو نتقرّب بها إلى الأجيال المتعاقبة، أو نوقف بها الزمن ساعة وفقط، يجب أن نعترف أننا اليوم أكثر حاجة من أبناء نوفمبر إلى ثورة نوفمبر، ليس لأنها أحالتنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر فحسب، ولكن لأننا فعلا- وبلا ديماغوجية سياسية- أمام تحديات أخطر وأعوص وأشد فتكا من فرنسا الاستدمارية وجيوشها الجرارة الفتاكة، فاليوم لم تعد فرنسا وحدها من يغتصبنا- وبحريتنا- في لغتنا ويفرمل تحركنا الاقتصادي ويحوّل توجهنا الثقافي، إنما الغرب المتطرّف كله أقام حلفا بعد ما أقسم على استعادة ما فقده- بفضل ثورات التحرر الماضية- بكل الوسائل المتاحة. لعل أهم قوة كان يملكها الجزائريون وأشدها بأسا، هي ما كان بين قادة نوفمبر والشعب الذي تبعهم إلى الموت بدون حساب، فكان هؤلاء القادة بأيهم اقتدى الشعب اهتدى، إنها الثقة المتبادلة والإيمان المشترك بالقضية، ثقة القيادة في شعبها إلى درجة الخرافة، وثقة الشعب في زعمائه إلى حد القداسة، فقد كانت هاتان الدعامتان الجسر الصلب الذي كان يمر عبره المدد المتلاحق إلى أتون حرب التحرير المقدسة، وكانت النتيجة استرجاع الاستقلال وبعث الدولة بعد تغييب مائة واثنين وثلاثين عاما، بالثمن العظيم الذي يعرفه الجميع مليون ونصفه من الشهداء، ولأن هذا الجسر قد تهاوى بفعل العديد من العوامل الداخلية والخارجية، الموضوعي بعضها وغير الموضوعي بعضها الآخر، فحريّ بنا أن نعيد بناءه بسرعة وقوة ونكران ذات من الجميع، مؤسسات ونخبا وشخصيات وأعلام ومواطنين، موازاة مع ما نقول وما نفعل، إذا ما أردنا أن ننجح بعض النجاح كما حقق النوفمبريون النجاح كله، وإذا ما عزمنا على الخروج من هذا اليمّ الذي سقطنا فيه، والذي كلما قال لنا سياسيونا إننا بصدد الخروج منه ازددنا غرقا فيه... [email protected]