ما من شك أن مستعملي الطريق السريع الشمالي والجنوبي ومختلف الطرقات الفرعية والرئيسية للعاصمة، قد التقوا بها أو سمعوا عنها.. تترصد تصرفات المتهورين من السائقين ومجانين السرعة والمناورات الخطيرة، من الجنسين وما أكثرهم ، والذين وعلى ما يبدو مجبرين على أن يحسبوا لوجودها ألف حساب.. فرقة أمن الطرقات المتنقلة على سيارات ودراجات مدنية أو »الشرطي المخفي« كما يحلو للبعض تسميتها، والتي تمكنت في ظرف ستة أشهر من استحداثها على تسجيل 5533 مخالفة، أغلبها تجاوزات خطيرة تؤدي إلى حوادث مرور، منها 2665 مخالفة تم رصدها خلال السنة الجارية. »صوت الأحرار« رافقت فرقة أمن الطرقات ووقفت على عملها، الذي يتركز أساسا على الوقاية من إرهاب الطرقات وعادت بهذا الروبورتاج . نظمت المديرية العامة للأمن الوطني، جولة استطلاعية للصحفيين مع فرقة أمن الطرقات، قصد تمكينهم من التعرف أكثر على عمل هذه الفرقة الجديدة، التي تم استحداثها قبل ستة أشهر، أي عند الدخول الاجتماعي 2014- -2015 بصفة تجريبية على مستوى العاصمة، في انتظار تعميمها على المدن الكبرى، على غرار وهرانوقسنطينة. أفراد هذه الفرقة الذين يلتزمون بارتداء الزي الرسمي ويتنقلون على متن سيارات ودراجات نارية مدنية عادية، مما يسمح لهم بالتدخل بصفة مفاجئة ويساهم في تغيير سلوكات السائقين وتصرفاتهم ، الذين يشعرون نهم مراقبون بصفة مستمرة ومعرضون للتوقيف من قبل الشرطة وتحرير محاضر مخالفة في حقهم ..وكانت بداية الجولة من قيادة الأركان بباب الزوار شرق العاصمة، ومنها إلى مقر الفرقة بالمحمدية ، ثم إلى الحميز، الطريق السريع شرق غرب و» الصابلات«... الواقع يؤكد عدم حدوث اتفاق سلم »بين السائق والطريق« قيل ويقال الكثير عن ظاهرة حوادث المرور ومخاطرها، لكن الآفات تستمروالمآسي تتزايد والأرقام ترعب، ناهيك عن الإعاقات المستديمة لضحايا لا ذنب لهم، ضف إلى ذلك النزيف الإقتصادي للخزينة العمومية ولا أحد ينكر أن الأسباب الرئيسية لظاهرة حوادث المرور تتعلق بالدرجة الأولى بالعنصر البشري، حيث تؤكد المعاينة الميدانية للمصالح العملياتية أن العامل البشري، المتمثل أساسا في التجاوزات الخطيرة، السرعة المفرطة،عدم احترام المسافة الأمنية، تبقى المتسبب الرئيسي في حوادث المرور بنسبة تزيد عن 95 بالمائة، حيث أضحت آلة الموت تحصد الأرواح يوميا وذلك إما بسبب خطأ السائق في السياقة أو طيش عقله أو تهور في سلوكاته، لتتحول السياقة غير السليمة للمركبات إلى واقع وسلوك غير حضاري يطبع تصرفات الكثيرين على الطريق. ويدرك المطلع على إحصائيات حوادث المرور وأهم مسبباتها، أن العامل البشري، يشكل أهم العوامل المؤدية للحوادث، سواء من خلال استعمال السرعة المفرطة أو التجاوز الخطير، أو استعمال الهاتف النقال أثناء القيادة، هذه وغيرها، كلها أسباب تدل على عدم احترام قانون المرور. وإذا حدث وأن صادفك ازدحام مروري في إحدى الطرقات السريعة وأدركت أن سبب الازدحام حادث أليم لاحظ كل من مرّ أمامه بشاعة وأحس بالألم والحسرة على ضحاياه، وعلق ببعض الكلمات الحزينة عليه، لكن ما أن يتجاوز مكان الحادث ببضع أمتار حتى يطلق العنان لسيارته واضعا قدمه على دواسة السرعة، دون »وعي« وكأنه لم يحدث شيئا ولم يكن يتأسف منذ دقائق على ما رآه بأم عينيه، موتى وجرحى ودم وعربات تحولت إلى كوم من الحديد، غاب عنها شكلها وأصحابها. ورغم حملات التوعية المتكررة، التي تقوم بها مصالح الأمن باستمرار وبرغم النداءات التي توجهها جمعيات المجتمع المدني وبرغم الأفلام التوعوية التي تبث وتذاع هنا وهناك وما ينشر في وسائل الإعلام وبرغم الإجراءات الردعية، التي تتخذها مصالح الأمن ضد المخالفين، إلا أن حوادث المرور لازالت في تزايد مستمر، لدرجة أن أصبحت ظاهرة تميز الطرقات ولا تبشر بإمكانية حدوث »اتفاق سلم« بين السائق والطريق لهذا تم التفكيرفي وسائل تقيد مستعملي الطرقات وتوعيهم بالمخاطر الكبيرة التي تترصدهم وهو الهدف من استحداث فرقة أمن الطرقات على مستوى العاصمة . رصد 5533 مخالفة على مستوى العاصمة خلال ستة أشهر أكد رئيس مكتب الإتصال والعلاقات العامة بمديرية الأمن العمومي محافظ الشرطة، رابح زواوي، أنه في إطار مواجهة ومجابهة ظاهرة حوادث المرور والسهر على انسيابية حركة السير عبر الطرقات، لاسيما على مستوى المناطق الحضرية، خاصة في أوقات الذروة، وعلى وجه التحديد خارج نطاق المراقبة الثابتة وأمام تفاقم بعض التجاوزات المرورية، ارتأت المديرية العامة للأمن الوطني استحداث فرقة جديدة تعرف بفرقة أمن الطرقات، بصورة تجريبة على مستوى العاصمة، في انتظار تعميمها على مدن كبرى أخرى، على غرار وهران و قسنطينة، مضيفا أنه من مميزاتها أنها فرقة أمنية لمراقبة حركة المرور، بالإضافة إلى أنها فرقة متنقلة ومدنية، تعتمد على سيارات مدنية، تنقلها فجائي، تسهر على متابعة ومراقبة حركة السير، لاسيما على مستوى الطريق السريع ، من خلال رصد المخالفات الخطيرة، التجاوزات الممنوعة، السير على الرصيف الاستعجالي دون ضرورة ملحة، اجتياز الخط المتواصل، الإفراط في السرعة، عدم احترام الإشارات الإلزامية، الوقوف والتوقف الممنوعين، استعمال الهاتف النقال، الدوران الممنوع ، السير في الاتجاه المعاكس. وحسب ذات المسؤول فإن الهدف من إنشاء هذه الفرقة هو الوقاية من حوادث المرور وإثبات التواجد الأمني خارج نطاق المراقبة الأمنية، رصد كل التجاوزات والمخالفات الخطيرة، مراقبة وتفتيش السيارات المشبوهة التنسيق مع مركز العمليات، من خلال خلايا كاميرات المراقبة الموزعة على الطرقات، موضحا أن هذه السيارات المدنية تكون مدعمة بدراجات نارية لتسهيل رصد وضبط مخالفي قانون المرور بصفة نظامية. وأشار محافظ الشرطة رابح زواوي أنه على مدار ستة أشهر من استحداث هذه الفرقة، تم تسجيل 5533 مخالفة منها 2589 خلال الثلاثي الأخير من السنة الماضية و2665 مخالفة خلال السنة الجارية. وحول مجمل المخالفات خارج نطاق المراقبة، أوضح محافظ الشرطة زواوي، أنها تتمثل أساسا في إحراج وعرقلة حركة المرور 35 مخالفة، تعتيم الزجاج 139 مخالفة، السيرعلى الرواق الإستعجالي دون ضرورة ملحة 220 مخالفة، استعمال الهاتف النقال خارج نطاق المراقبة 1148 مخالفة، عدم استعمال حزام الأمن 58 مخالفة، السيرفي الاتجاه الممنوع 204 حالة، عدم احترام إشارة المرور 443 حالة، الدوران الممنوع 291 مخالفة، المناورات الخطيرة 858 مخالفة، تغيير الاتجاه دون استعمال إشارة ضوئية 125 مخالفة، عدم احترام محور الدوران 57 مخالفة، التجاوزعلى اليمين 98 مخالفة، اجتياز الخط المستمر377 حالة، الرجوع إلى الخلف في الطريق السريع101 حالة، التجاوزات الخطيرة 170 مخالفة، السير في أقصى اليسار للوزن الثقيل 399 مخالفة، ومن بين المخالفات المتعلقة بالتنسيق الخاصة بوسائل النقل الجماعي، نجد إنشاء محطات جديدة على مستوى الطريق السريع ب 57 مخالفة. تجاوزات خطيرة وحجج واهية للإفلات من المخالفات بداية الجولة كانت قيادة الأركان بباب الزوار، حيث انطلقنا نحو مقر فرقة أمن الطرقات بالمحمدية، وكان معنا مجموعة من إطارات مديرية الأمن العمومي، حيث اجتمع رئيس الفرقة بعناصره، لتقديم توجيهات والاتفاق على النقاط الأساسية للمهمة الميدانية التي تنتظرهم، وبعدها تم إعطاء إشارة لقاعة العمليات ببداية المهمة للتنسيق العملي معها، حيث أن هذه الفرقة تعمل بالتنسيق مع قاعة العمليات، وكذا الكاميرات الثابتة على مستوى مختلف الطرقات، بالإضافة الوحدة الجوية للأمن الوطني. وحسب رئيس الفرقة، زعاف أحمد، فإن فرقة أمن الطرقات تنشط على مستوى الطرقات السريعة بالعاصمة وكذا مختلف المحاور الرئيسية والفرعية، العاصمة، هذه الفرقة تستغل النقاط السوداء والمحاور والنقاط التي ترتكب فيها مثل هذه المخالفات، على مستوى الطريق الشمالي والطريق الجنوبي، مضيفا أنها ترصد المخالفات الخطيرة من الدرجة الرابعة ، التي تؤدي إلى حوادث مرور، موضحا في ذات السياق أن هدفها وقائي ردعي ، وهي موزعة على ثلاثة أفواج ، ويتكون كل فوج عملياتي من ثلاثة عناصر وشرطيين دراجيين، حيث يرصد عناصر الشرطة على متن السيارة المدنية المخالفات، فيما يتولى الشرطي على الدراجة النارية عملية توقيف السائق مرتكب المخالفة، حتى يكون التدخل قانونيا لتفادي وقوع قضايا انتحال صفة. أول ملاحظة سجلناها منذ بداية المهمة، أن مرتكبي المخالفات المرورية يتجولون بكل مكان، و صعوبة العثور عليهم غير مطروح على الإطلاق.. إحدى النقاط التي توقفنا عندها، كان الطريق السريع شرق غرب، حيث لمح عناصر فرقة أمن الطرقات الذين كانوا على متن سيارة عادية باللون الأبيض، شاحنة من الوزن الثقيل تحمل ترقيم ولاية بومرداس)35 ( تسير بسرعة على أقصى اليسار، ومباشرة اتصل عناصر الفرقة بالشرطي المرافق الذي كان على متن دراجة نارية، حتى يكون التوقيف قانونيا، هذا الأخير لوح لسائق الشاحنة بالتزام أقصى اليمين، تم توقيف الشاحنة، وتوقفنا نحن كذلك، ونزلنا ، تقربنا من السائق، الذي نزل من الشاحنة ، بدأ الشرطي في شرح طبيعة المخالفة التي ارتكبلها السائق، هذا الأخير كان يحاول أن يبرر مخالفته بكونه أن بقية السائقين لم يتركوا له الخيار بالتزام أقصى اليمين، قال أنه حاول وحاول فلم يتركوه، ثم قال للشرطي »لا تقل لي أنك ستسحب مني رخصة السياقة، إن فعلت فإنني مضطر لترك الشاحنة هنا «، ثم طلب منه الشرطي أن يمنحه وثائق الشاحنة، والمفاجأة أن سائق الشاحنة أجابه أنه لم يحضر رخصة السياقة، ، ليجد السائق نفسه أمام ثلاث مخالفات ، الأولى وهي السير على أقصى اليسار للوزن الثقيل، بالإضافة إلى السياقة دون وجود الرخصة، عجلات الشاحنة كانت زلجة وهذه الأخرى مخالفة قد تؤدي الى وقوع حادث مرور . "..ستحرم أولادي من الخبزة" ..عبارة يردد أصحاب الشاحنات وسيارات الأجرة واصلنا جولتنا الميدانية ولم تمر لحظات حتى توقفنا وهذه المرة بالحميز، حيث هذه المرة أيضا، لاحظ عناصر الشرطة أن سائق شاحنة يقوم بمناورات خطيرة على مستوى الطريق، حيث تم توقيفه بنفس الطريق، وتم إعلامه بالمخالفة التي ارتكبها هذه الأخير بدأ يتحجج تارة ويتوسل تارة أخرى، قائلا» إذا سحبت مني رخصة السياقة فهذا يعني أن خبزة ولادي تتوقف« الملاحظ في كل مرة يتم فيه توقيف سائق ارتكب مخالفة معينة هو أنه يبرر ويتحجج، لكنه يتغافل عن حجم خطورة المخالفة التي كان من الممكن أن تؤدي إلى حادث مرور خطير، ضحاياه مستعملي الطريق أخرين تواجدوا بنفس الطريق.. محطة أخرى توقفنا عندها، كانت هذه المرة »الصابلات«، حيث تم توقيف صاحب سيارة قام بمناورة خطيرة، ولما اقترب منه الشرطي الذي كان على متن الدراجة النارية، شارحا طبيعة المخالفة وخطورتها، بررالسائق ما ارتكبه بأنه على عجلة من أمره وأنه على موعد مع جلسة محاكمة بالمحكمة وأنه مضطر لذلك، وطبعا مثل هذه المبررات اعتاد عليها عناصر الفرقة، حيث قال لنا رئيسها زعاف أحمد أنه سبق لعناصره أن وقفوا على مخالفة بررها مرتكبها بتلقيه خبر وفاة والده، ونفس المبرر تحجج به نفس الشخص بعد يومين، أنه تلقى خبر وفاة والده أي أنه »قتل والده مرتين«، وما كان من الشرطي إلا أن أخبر السائق أنه ارتكب مخالفة من الدرجة الرابعة وعليه أن يدفع غرامة ب4000دج، بالإضافة إلى سحب رخصة السياقة . وعلى مستوى الطريق السيار شرق غرب، استرعى انتباه عناصر الفرقة سيارة، قامت بمناورة خطيرة حيث انتقلت إلى اليمين أي غيرت اتجاهها بصورة مفاجئة، دون استعمال إشارة ضوئية، بالإضافة إلى عدم احترام المسافة الأمنية، ليتم توقيف صاحب السيارة وهو شاب في ربيع عمره، بعد أن أعلمه الشرطي بطبيعة المخالفة التي ارتكبها، قال أنه حديث العهد بالسياقة وأنه تحصل على الرخصة قبل شهرين فقط وأنه لم يعتد جيدا على الطريق، وأخذ يتوسل الشرطي أن يتركه يمضي إلى حال سبيله، ومن بين ما قاله مبررا مخالفته »أنا سائق جديد ، ألا يمكنك أن تسامحني ..ليس من المعقول أن تعاقبني ولم يمرعلى حصولي على الرخصة سوى مدة قصيرة« ، ثم أخذ يتفنن في اختيار عبارات التوسل، قبل أن يصرح» هل يعني هذا أنك ستسحب مني رخصة السياقة؟« قبل أن يضيف بحسرة وألم » كنت أنا من يقود السيارة والآن الآخرين هم الذين سيقودون وأنا جالس إلى جانبهم « .، وقبل أن نغادر المكان لاحظ الشرطي أن هذا السائق، مع أنه كرر مرات عديدة أنه حديث العهد بالسياقة، لكنه لم يلصق إشارة 80 على سيارته التي تؤكد أنه تحصل على رخصة سياقة مؤخرا فقط وهو ما يعتبر مخالفة أخرى. وحسب رئيس فرقة أمن الطرقات زعاف أحمد فإن عناصر الفرقة بالإضافة إلى العدد الكبير من المخالفات التي قامت بتسجيلها خلال ستة من إنشائها، فهي تمكنت من تسجيل 19 قضية في إطار الجريمة، تتعلق بحيازة المخدرات وسرقة السيارات، حيث تمكنت من حجز سجائر محشوة بالمخدرات، بالإضافة إلى استرجاع سيارة مسروقة. وأضاف محدثنا، في ذات السياق أنه على هامش نشاطها، سجلت فرقة أمن الطرقات قضايا تدخل في إطار الجرائم البسيطة والمتوسطة، حيث تم رصد 19 جنحة، بالإضافة إلى مخالفات تتعلق بعدم تطابق وثائق السيارات، عدم تقديم رخصة السياقة والتي بلغ عددها 119 مخالفة، وكذا تقديم شهادة تأمين السيارات منتهية الصلاحية ب18 حالة . والملاحظ في عمل فرقة أمن الطرقات أنه أشبه بكثير ما كان يقول به »الشرطي المخفي«، في طريق السلامة، الذي كان مخالفو قانون المرور يخشون الالتقاء به، هذه الفرقة تترصد أخطاء المتهورين من السائقين، فهي تسعى إلى القضاء على الإجرام المروي، بالتركيزعلى محاربة المخالفات المؤدية للحوادث المرورية، كلما تم توقيف أحد المخالفين لقانون المرور، يقوم الشرطي بشرح للسائق طبيعة مخالفته والخطر الذي كان يمكن أن يلحقه بالغير جراء لحظة لامبالاة أو تهور في الطريق، قبل أن يتم سحب رخصة السياقة من السائق مرتكب المخالفة الخطيرة وتحرير محضر. وتسعى فرقة أمن الطرقات إلى خلق لدى السائقين نوع من الشعور بالرقابة الذاتية، مما يجعلهم يحرصون على التقيد بقانون المرور والابتعاد عن مختلف المخالفات، على طول الطرقات وليس فقط أمام الحواجز الأمنية ونقاط المراقبة، هذه المخالفات والتجاوزات المرورية الخطيرة التي تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه ، وبالتالي التقليل من ظاهرة إرهاب الطرقات ولما لا القضاء عليها.