هل تُعتبَر الثورة العربية، ضد الدولة العثمانية، قبل قرن تقريبا، انتصارا للعرب، وتحرّرا لهم من قهر الاحتلال التركي، أم أنها كانت بداية لاستبدال احتلال بآخر، أشد ظلما وقهر أو استعبادًا، أصبحوا فيه عملاء بكراسي حكامهم، لصالح أعدائهم التاريخيين ؟ ليست لديّ إجابة جاهزة تُنصِف هذا القول أو تُجرِّم ذاك، ولكن الواقع العربي يُنبئ أن العرب أخطأوا الطريق منذ ذلك التاريخ، وجرّوا معهم المسلمين إلى منحدر تاريخي، مازال يهوِي بهم إلى المجهول، وتفرّقوا في مسالك وعرة، ليس من السهل الخروج منها، ولكن عليهم أن يخرجوا منها إذا ما أرادوا أن يحافظوا- على الأقل- على ما اكتسبوه من حرية، منحتها لهم قوافل مليونية من الشهداء، كي يدقوا أبواب ألفية الإنسانية، التي لم يدخلوها كما دخلتها الشعوب الأخرى، وبقوا خلفها، يتشاتمون ويتحاربون ويتقاتلون ويتناحرون وينتحرون. قد تكون الدولة الوطنية فشلت في تحقيق التنمية الناجعة، ولكنها لم تفشل في تثبيت وحدة شعب الدولة، غير أن شبابها تلظَّى بنار الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، حتى انقسم على نفسه بين هاربٍ إلى فِكرٍ لا يُنبِت في أرضه إلا الفرقة والانقسام، أو فارٍ في هجرة ولو كانت إلى الموت، وبين مُرْتَمٍ كالأعمى في فقْه قُدامَى، كانوا ثوريين في زمانهم، كخلاص مما أسماه المفكّر أحمد دلباني مَجمرة الواقع، وتحوّل الدِّين إلى قوة استقطاب نَهِمَة، تجر كل من تاه في زوايا المجتمع المظلمة، وما أكثرهم وهنا بدأت خيوط المكائد تتشكّل من جديد، لإسقاط الدولة الوطنية كلية، وإعادة بنائها طبقا لأنماطٍ من شأنها، أن تحمل بذور إنهاء الأمة نهائيا، وانبرى الهدّامون من أبناء العقيدة الواحدة، واحتلوا الصفوف الأولى، فطُرِحت على العوام، المسائلُ الجوهرية لمنظومة القيم، عِوض أن تكون من اختصاص النخب، وبات بإمكان أيٍّ كان، أن يُصبح مفتيا في كل شيء، فانتعشت الفتن وازدهرت، وتحوّل النقاش الذي كان يجب أن يكون في صالح المجتمع، إلى جرّافة كبرى تهدم أساسيات البناء، وانخرطت في لعبة الإسقاط قبائل هي في شكل دول متخلفة متحنّطة، وغدت أكبر مُصدِّر لما أصبح يُعرَف بالدعاة، الذين أضحوا صواريخ تضرب بها، الدول اللقيطة والعميلة، دولا تقول إنها "شقيقة" ، قد لا تكون نجحت في مسار التنمية، ولكنها لم تفشل في استعادة الحرية . الكل يعرف أن هناك دولا عربية وإسلامية، كانت إلى وقت قريب مع نهاية القرن الماضي، على أبواب الخروج من التخلف، بعدما استطاعت الاغتسال من أردان التأخر الحضاري، وتهيأت للدخول الفعلي، إلى الألفية الثالثة، سواء على مستوى التعليم والبحث العلمي، أو على المستوى التكنولوجي الذي يمنع الاستقلال من أن يُرهَن، كيف حيكت لها المؤامرات، التي انخرط فيها- للأسف- الأشقاء من أبناء اللسان الواحد والعقيدة الواحدة والحضارة المشتركة، فأصبحت الآن أثرا بعد عين تقريبا، وأعيدت إلى عصر ما قبل التاريخ، وغدت على رأس دول الهجرة نحو الشمال، والجزائر الواحدة التي تعرّضت إلى محنة كبرى، وصفها سياسيوها بالمأساة الوطنية، أريد لها أن تُصبِح جُزُرًا متعدّدة، كان يُنتَظر أن تسقط أرضا، بفعل الدماء التي سالت، والتخريب والتدمير الذي وقع خلال أكثر من عشرية من الزمن، ولأنها لم تسقط، يتحالف عليها اليوم، أهل الشر في الغرب العنصري، كما في الشرق الأناني لإسقاطها، كي يسهل التهامها، أو على الأقل تأخير يقظتها التي تُزعِج وتخيف . يأتي على الجزائريين بعد يومين عيد النصر، ليذكّرهم جميعا، مَن كان منهم في السلطة، ومَن يعتبر نفسه في المعارضة، ومَن هو ضائع بينهما، أن الأزمات الخطيرة التي تحيط بالجزائر، ويخيف بها بعضهم بعضا، يمكن أن تكون فُرَصًا للقضاء على كل الأزمات من جذورها، إذا ما صدقت النيات في إصلاح النظام السياسي، وتبعها الفعل الجاد الواعي الدال على ذلك، وتخلَّى كلٌّ عن أنانيته وادِّعائه، بأنه الواحد الأحد، الذي بإمكانه أن يُنقِذ كل هذا المتعدِّد، وأن يُسرِع مَن بيده الأمر، في تطبيق خيارات الخروج المتاحة اليوم، قبل أن يندم الجميع على تضييع الوقت الذي لم نُحسِن استغلاله، وقبل أن يستفحل الدّاء، وتدخل البلاد في أزمة الأزمات، إن لم تكن قد دخلتها فعلا، إنني كمن يرى عيد النصر لهذا العام، وهو يستصرخ الجزائريين، أن توحّدوا ولا تفرّقوا، ولا يُلغِ بعضكم بعضا، فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ... [email protected]