وفد طبي إيطالي في الجزائر لإجراء عمليات جراحية قلبية معقدة للاطفال    كأس الكونفدرالية الإفريقية: شباب قسنطينة يشد الرحال نحو تونس لمواجهة النادي الصفاقسي    مجلة "رسالة المسجد" تنجح في تحقيق معايير اعتماد معامل التأثير والاستشهادات المرجعية العربي    سوناطراك تتبوأ مكانة رائدة في التحول الطاقوي    حرائق الغابات في سنة 2024 تسجل أحد أدنى المستويات منذ الاستقلال    كرة اليد/بطولة افريقيا للأمم-2024 /سيدات: المنتخب الوطني بكينشاسا لإعادة الاعتبار للكرة النسوية    مجلس الأمن يعقد جلسة غدا الإثنين حول القضية الفلسطينية    ملتقى وطني حول التحول الرقمي في منظومة التكوين والبحث في قطاع التعليم العالي يوم ال27 نوفمبر بجامعة الجزائر 3    سوناطراك تطلق مسابقة وطنية لتوظيف الجامعيين في المجالات التقنية    الجزائر استكملت بناء منظومة قضائية جمهورية محصنة بثقة الشعب    تعليمات رئيس الجمهورية تضع حاجيات المواطن أولوية الأولويات    اختتام "زيارة التميز التكنولوجي" في الصين لتعزيز مهارات 20 طالبا    الدورة الخامسة والأربعين لمهرجان القاهرة السينمائي : مشروع "غزة، من المسافة صفر" يفتك ثلاث جوائز    الحفل الاستذكاري لأميرة الطرب العربي : فنانون جزائريون يطربون الجمهور بأجمل ما غنّت وردة الجزائرية    يناقش آليات الحفظ والتثمين واستعراض التجارب.. ملتقى وطني تكويني حول الممتلكات الثقافية بالمدية غدا    عين الدفلى: اطلاق حملة تحسيسية حول مخاطر الحمولة الزائدة لمركبات نقل البضائع    افتتاح الملتقى الدولي الثاني حول استخدام الذكاء الإصطناعي وتجسيد الرقمنة الإدارية بجامعة المسيلة    عطاف يستقبل رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية لمجلس الشورى الإيراني    الجَزَائِر العَاشقة لأَرضِ فِلسَطِين المُباركَة    اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة: مناشدة لحماية النساء الصحراويات من سياسة الاحتلال المغربي القمعية    الوادي: انتقاء عشرة أعمال للمشاركة في المسابقة الوطنية الجامعية للتنشيط على الركح    "تسيير الارشيف في قطاع الصحة والتحول الرقمي" محور أشغال ملتقى بالجزائر العاصمة    رئيس الجمهورية يشرف على افتتاح السنة القضائية    لبنان: ارتفاع ضحايا العدوان الصهيوني إلى 3754 شهيدا و15.626 جريحا    الجامعة العربية تحذر من نوايا الاحتلال الصهيوني توسيع عدوانه في المنطقة    توقيع 5 مذكرات تفاهم في مجال التكوين والبناء    رواد الأعمال الشباب محور يوم دراسي    الابتلاء المفاجئ اختبار للصبر    وفاق سطيف يرتقي إلى المركز الخامس    الخضر أبطال إفريقيا    كرة القدم/كان-2024 للسيدات (الجزائر): "القرعة كانت مناسبة"    فلسطينيو شمال القطاع يكافحون من أجل البقاء    بوريل يدعو من بيروت لوقف فوري للإطلاق النار    "طوفان الأقصى" ساق الاحتلال إلى المحاكم الدولية    مجلس الأمة يشارك في الجمعية البرلمانية لحلف الناتو    وكالة جديدة للقرض الشعبي الجزائري بوهران    الجزائر أول قوة اقتصادية في إفريقيا نهاية 2030    ندوات لتقييم التحول الرقمي في قطاع التربية    مازة يسجل سادس أهدافه مع هيرتا برلين    وداع تاريخي للراحل رشيد مخلوفي في سانت إيتيان    المنتخب الوطني العسكري يتوَّج بالذهب    الرياضة جزء أساسي في علاج المرض    دورات تكوينية للاستفادة من تمويل "نازدا"    باكستان والجزائر تتألقان    تشكيليّو "جمعية الفنون الجميلة" أوّل الضيوف    قافلة الذاكرة تحطّ بولاية البليدة    هلاك شخص ومصابان في حادثي مرور    على درب الحياة بالحلو والمرّ    سقوط طفل من الطابق الرابع لعمارة    تركيب كواشف الغاز بولايتي ورقلة وتوقرت    وفاة 47 شخصاً خلال أسبوع        قرعة استثنائية للحج    حادث مرور خطير بأولاد عاشور    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إخفاق في إضفاء الشرعيّة على الغزو. ثمّ ماذا؟
نشر في صوت الأحرار يوم 30 - 11 - 2009

بدأت الأسبوع الماضي أشغال لجنة يرأسها السيد جون شيلكوت تمّ تشكيلها للتّحقيق في تورّط المملكة المتّحدة في خوض الحرب ضدّ العراق والتعرّف على ملابسات دخولها إلى جانب الولايات المتّحدة في تلك الحرب. والهدف هو تقدير الأحداث التي جرت ما بين 2001 و 2009 بما فيها القرار بالذهاب للحرب، وما إذا كان الجيش قد تمّ تهيئته لذلك بصفة كافية، وكيف تمّت إدارة الأزمة وكيف تمّ التخطيط لما بعد الإحتلال. وقد تركّزت تحقيقات الأسبوع الأوّل للّجنة على مرحلة اتخاذ القرار لدخول معمعة الحرب، حيث تأكّد أنّ الحرب تمّ خوضها بلبوس قانونيّ ولكنّ بدون شرعيّة. بيد أنّ السّؤال الذي بدأ يطرحه الرّأي العام: ما جدوى مثل هذه »الإكتشافات«، على أهميّتها البالغة؟
فقد بادر جيريمي غرينستوك، سفير بريطانيا لدى الأمم المتّحدة ما بين 1997 و 2003، وهو الذي أصبح مبعوث بريطانيا إلى العراق غداة الغزو، بالتّشكيك في شرعيّة الحرب انطلاقا من التمييز بين قانونيّة شنّ الحرب على العراق وشرعيّتها، ققال إنّ الحرب: »قانونيّة ولكنّها افتقدت للشّرعيّة لأنّها لم تحظ بدعم شعبيّ سواء في بريطانيا أو لدى معظم الدّول الأعضاء في الأمم المتّحدة«، وأضاف: »لقد أخفقنا في إضفاء الشرعيّة على الحرب رغم أنّنا أرسينا بنجاح أرضيّة قانونيّة لها في كلّ من مجلس الأمن والأمم المتّحدة ... لحدّ ما على الأقلّ، حيث لم يتمّ تحدّي ما قمنا به سواء في مجلس الأمن أو أمام المحكمة الدّوليّة«.
ومعروف أنّ بريطانيا والولايات المتّحدة يعتبران أنّ القرار 1441 لمجلس الأمن كان قد خوّل خوض الحرب مباشرة، في حين اعتبرت الدّول الأخرى أنّه لابدّ من إصدار قرار ثان لبلوغ ذلك الغرض. غير أنّ غرينستوك أقرّ بأنّ ذلك القرار 1441 كان يسوده الإلتباس، واتّهم واشنطن بعرقلة استصدار قرار ثان موضّحا: »أنّ هناك أصواتا اعتبرت البحث عن ذلك مضعية للوقت، وأنّ المطلوب هو تغيير النّظام«.
أمّا السّير ويليم بايتي، الرّئيس السابق لقسم شؤون الشرق الأوسط بالخارجيّة البريطانيّة فقد كشف أنّ مبدأ: »تغيير النظام« في العراق تمّت مناقشته داخل وزارة الخارجيّة منذ سنة 2001. ولكنّ السير بيتر ريكتس، رئيس لجنة الإستخبارات المشتركة سلبقا والذي يشغل حاليا منصب موظف سام لدى الخارجيّة، أكّد أنّه حتّى مارس 2002، لم توافق وزارة الخارجيّة على الدّخول للحرب وفقا لذلك المبدأ. غير أنّه، كما يضيف، بعد شهر من ذلك، كان توني بلير قد التزم لجورج بوش الإبن بالذهاب للحرب وفق مبدإ تغيير النظام.
وانتقد ماير تعاطي بلير مع الإمريكان وعدم ربطه مشاركة بريطانيا في الحرب بشروط، مثل وضع خطّة لما بعد الحرب. واستغرب كيف تمّ منح الموافقة على مشاركة بريطانيا في تلك الحرب دون وضع أيّ شرط مثل المطالبة: »بأن يكون هناك جهد خاصّ تجاه الصّراع العربيّ- الإسرائيليّ ورسم مخطّط تفصيليّ لما بعد إزاحة صدّام«.
أمّا في اليوم الثاني من تحقيق شيلكوت، فقد انبرى السير ويليام إيرمان، الذي كان يشغل منصب مدير مكتب الأمن الدولي في الخارجيّة البريطانيّة ما بين سنة 2000 و 2002 وهو حاليا يشغل منصب السفير في الصّين، فصرّح بأنّ المعلومات الإستخباراتيّة التي اعتُمدت لتبرير الحرب على العراق كانت غير مؤكّدة. وقال أنّ مصالح الخارجيّة قد تلقت في 10 مارس 2003: »تقريرا مفاده أنّ الأسلحة الكيمياويّة تكون مازالت مفكّكة، وأنّ صدّام لم يأمر بعد بإعادة تركيبها، وقد يكون يفتقد إلى للرؤوس الحربيّة«. وأضاف أنّ الخارجيّة البريطانيّة لم تتلقّ تقارير استخباراتيّة مخالفة للمعلومات التى كانت متوفّرة لديها قبل مارس 2003 حول وجود أسلحة دمار شامل في العراق. وأكّد إيرمان أنّ دور مصالح الإستخبارات كان محدودا فيما يتعتلّق بالذهاب للحرب.
وكان توني بلير قد أبلغ البرلمان البريطانيّ، لدى عرضه لتبرير غزو العراق، بكلّ ما أوتي من عبارات الإثبات التي لا يقربها الشكّ، بأنّ العراق يمتلك أسلحة كيماويّة وبيولوحيّة يمكنه استخدامها خلال 45 دقيقة، وأن مداها يهدّد حياة البريطانيين المتواجدين بقواعدهم في البحر المتوسّط.
أمّا كريستوفر ماير السفير البريطاني لدى واشنطن ما بين 1997 و 2003، فقد كشف عن أنّ الأمريكان لم يضعوا في حسبانهم نتائج الحرب على العراق، ولم تكن لديهم خطط لما بعد الغزو. وكشف ماير أيضا عن أنّ كونداليزا رايس، وزيرة خارجيّة الولايات المتّحدة الأمريكيّة، تكلّمت عن وجود صلة بين النظام العراقي و»القاعدة«، وذلك غداة وقوع اعتداءات 11 سبتمبر. وقال ماير أن واشنطن اتّخذت قرار شنّ الحرب قبل أن يذهب المفتّشون للعراق.
كما ذكر في إفادته المكتوبة أنّه على الرّغم من أنّه تلقّي أدلّة عن أنّ أوامر أُعطيت من مسؤولين كبار في إدارة بوش لبدء التحظير لشنّ الحرب على العراق بعد 11 سبتمبر، فإنّ تلك المناقشات لم تصل إلى علم البعثة البريطانيّة. وقال: »كنت على علم بوجود الخيار المبدئيّ لتغيير النظام عبر التدخّل العسكريّ، ولكنّ الأمر لم يكن واضحا حتّى فبراير ومارس 2002 عندما سمِعت أنّ تحظيرات جديّة قد تكون بدأت في واشنطن لشنّ الحرب على العراق«.
وتحدّث ماير عن زيارة توني بلار إلى مزرعة بوش بتكساس في أفريل 2002، حيث قضيا وقتا طويلا منفردين وبدون حظور أيّ من مستشاريهما، وبالتالي، لم يعرف أحد فحوى ما جرى بينهما. ولكنّه أوضح أنّ خطاب بلير، في اليوم التّالي، تضمّن لأوّل مرّة، إشارة علنيّة إلى مبدإ: »تغيير النظام«.
وأوضح كريستوفر ماير أنّ اللجوء لتغيير النظام كان في نظر الحكومة البريطانيّة غير مبرّر قانونيّا، ولكنّ توني بلير التزم شخصيّا أمام بوش بأن يخوض الحرب على العراق وفقا لذلك المبدإ. والمعروف أنّه كثيرا ما تكرّر القول بأن توني بلير قد وافق على غزو العراق انطلاقا من »إيمان راسخ« بأنّ صدّام يُمثّل الشرّ.
وقد كشفت أيضا أسبوعية »الميل« أنّ اللورد غولدسميث، الوكيل العام للحكومة وهو أعلى منصب لمستشار قانوني في المملكة المتّحدة، قد أوصى في رسالة حرّرها في جوان 2002، أيّ قبل 8 أشهر من تاريخ الغزو، بأنّ غزو العراق والأطاحة بصدام سيكون خرقا صارخا للقانون الدّوليّ. ولكنّ بلير لم يكتف بتجاهل استشارة الخبير القانونيّ بل حرمه من حظور اجتماعات الحكومة لدرجة أنّ غولدسميث هدّد بالإستقالة.
وفي 7 مارس 2003، حذّر غولدسميث الحكومة بأنّه على الرّغم من أنّ صدّام حسين قد يكون في حالة خرق لالتزاماته الدّوليّة، إلا أنّ القوات البريطانيّة تبقى مهدّدة بالتعرّض للمحاكمة إذا ما ساهمت في الغزو. ولكنّه بعد عشرة أيام من ذلك التاريخ، أصدر بيانا مقتضبا يقول فيه أنّ الغزو يمكن أن يكون مشروعا. وكان تحقيق باتلر السابق، والذي تولّى بحث استعمال المعلومات الإستخباريّة لتبرير الحرب، كشف عن أن غولدسميث قد غيّر رأيه بعد التقائه بمستشارين مقرّبين من توني بلير.
كما قامت الصانداي تلغراف هذا الأسبوع بنشر خمس مقالات للصحافي أندرو غيليغان الذي كان أولّ من كشف سنة 2002 عن أنّ موظّفين سامين مقرّبين من رئيس الوزراء قد أغدقوا صيغ »المبالغة« على تقارير مصالح الأمن لتبرير غزو العراق.
وتكشف هذه المقالات أنه على الرّغم من أنّ الحرب بدأ التخطيط لها سريّا عام 2002، إلا أنّ الجيش البريطانيّ دخل الحرب في السّنة التالية بتجهيز ضعيف، لأنّ الحكومة لم ترد أن توفّر له العتاد الذي يحتاحة حتّى لا ينكشف سرّ الحرب المبيّتة.
وكان كثير من المحللين، قبل انطلاق هذه الجولة من الإستجوابات، قد شكّكوا في مدى جديّة عمل اللجنة حيث عابوا عليها أنها ستجري وكأنّها جلسة بين: »زملاء قدامى سيلتقون ليتجاذب أطرف الحديث« لكون أن اللّجنة تتشكّل من موظفين قدامى بالإدارة المركزيّة يتولّون مساءلة زملاء لهم.
وتعرّض السير شيلكوت للإنتقاد لكونه قرّر أن لا يلجأ لأسلوب السؤال والجواب المكثّف مع المستجوَبين - كما فعل اللورد هوتن سابقا إلى درجة أنّ وفاة الخبير البريطاني في أسلحة الدّمار الشامل العراقيّة تمّ ردّها إلى التشدّد في المساءلة - ولأنّه قرّر عدم الكشف عن كميّة كبيرة من الوثائق في مرحلة سابقة من التحقيق. ولذلك، ارتفعت أيضا أصوات أخرى عديدية للقول بأنّ التحقيق لن يكشف جديدا. ولكنّ الأسبوع الأوّل من التحقيق بدأ يُثمر عكس بعض تلك التنبؤات.
وقد فسّرت الغارديان إقدام تلك الشخصيات على الإدلاء بشهاداتها الصريحة يعود إلى كونها أصبحت في حِلٍّ من أيّ التزامات كان يمكن أن يفرضها عليهم استمرار وجودهم في مواقع السّلطة.
ويرى الباحث كريس أيمس، صاحب موقع بالإنتارنات مخصّص لمتابعة أخبار التحقيقات المتعلّقة بغزو العراق، أنّ تحقيقات لجنة شيلكوت هذا الإسبوع قد أتاحت الفرصة لملء الكثير من الفجوات الكبيرة التي كانت تفصل بين التصريحات الرّسمية والحقائق التي يتواصل كشفها بفضل الوثائق التي يتمّ تسريبها بين الحين والآخر.
وهكذا، فقد كانت رواية الحكومة البريطانيّة للأحداث تقول أنّها خاضت الحرب لمواجهة التهديد الذي كان يمثّله تملّك العراق لأسلحة الدّمار الشامل. في حين أنّ الوثائق المتسرّبة من سرايا الحكومة تقول المرّة تلو الأخرى أنّ ذهاب بريطانيا للحرب كان استجابة لرغبة الولايات المتّحدة في تغيير النظام العراقي باستعمال تِعلّة أسلحة الدّمار الشامل.
وفي وجهة نظر سكوت ريتر الأمريكيّ، أحد أعضاء بعثة التحقيق حول أسلحة الدّمار الشامل بالعراق والذي بقدر ما كان متشكّكا في نيّة العراقيين في البداية بقدر ما اقتنع بالنوايا المبيّته ضدّه من طرف أمريكا في النّهاية، فإنّ: »بريطانيا اليوم بعد انسحاب قواتها العسكريّة من العراق أصبحت متحرّرة سياسيّا لتقوم بتشريح واف لتلك الحرب، بما في ذلك التبريرالأساسيّ الذي تمّ استعماله من طرف توني بلير رئيس الوزراء آنذاك لخوض الحرب، وهو امتلاك العراق لأسلحة الدّمار الشامل«.
ويرى سكوت أنّ شهادة ماير بحكم كونه السفير البريطانيّ لدى الولايات المتّحدة أثناء اتخاذ قرار الحرب ضد العراق تؤكٍّد: »أنّ الغزو قد تمّ بدون الرّجوع لأيّ مسار ذي صدقيّة فيما يتعلّق بالتأكّد من امتلاك العراق لأسلحة الدّمار الشّامل. بل على العكس من ذلك، يُضيف الخبير، أنّ صدّام تمّ تجريمه من طرف واشنطن ولندن بدون تقديم دليل ملموس عن ذلك أو حتّى توفّر برنامج لديه متعلّق بذلك«. وهكذا، يضيف سكوت: »فإنّ جورح بوش تمكّن من إخفاء نزعته العسكراتيريّة خلف البراءة المزيّفة لتوني بلير ووزير خارجيّته كولن باول. وممّا سهّل أكثر مهمّة الرئيس هو تواطوء وسائل الإعلام الأمريكيّة والبريطانيّة«.
ويخلص سكوت إلى الإشارة بأنّ: »هناك فرقا بين البحث عن مبرّر لخوض الحرب والبحث عن تبيُّن الحقيقة. حيث أنّ الرّسميين البريطانيين بتجاهلهم عمل بعثة التحقيق قد بيّنوا أنّهم لم يكونوا مهتمّين بمعرفة الحقيقة حول تملّك العراق لأسلحة الدّمار الشاّمل«. وعليه، يضيف: »فإنّ لجنة السير شيلكوت لن تصل إلى معرفة درجة تورّط السلطات البريطانيّة إذا لم تستمع إلى شهادات أعضاء بعثة التحقيق أنفسهم«.
واستنتجت الغارديان بأنّ ما يُمكن استخلاصه من نتائج التحقيق عقب الإسبوع الأوّل هو أنّ القرار للذّهاب للحرب كان نتيجة إخفاق ممنهج. وقالت: "بأنّ المحلّلين لدى مصالح الإستخبارات والدبلوماسيين، بل وكلّ الآلة الحكوميّة البريطانيّة، كانوا مشلوليّ الحركة أمام إرادة واشنطن. وقلّة فقط ضمن وزارة الخارجيّة هم الذين تنبّهوا إلى الأثر المدمّر الناجم عن الإطاحة بنظام عربيّ سنيّ، والذي سيكون لامحالة في صالح إيران." وهذا في حدّ ذاته، كما تُضيف الغارديان: »فشل ذريع مازالت تعاني الخارجيّة من تبعاته حتّى يومنا هذا«.
إلا أنّ هناك أيضا فئة أخرى من المتشائمين الذين اعتقدون أن لجنة شيكوت عاجزة عن الذّهاب بعيدا في التقصّي العميق وذلك لمحدوديّة كفاءة أعضائها في المجال القانوني أوّلا ولكون أنّ عضوين من أعضائها الخمسة هما مؤرّخان من المؤيّدين الشرسين لدقّ طبول الحرب ضد العراق، وهما لاورنس فريدمان ومارت جيلبار المؤيدان للصّهيونيّة.
كما ترى العمّالية المستقلّة والصحافيّة ديان أبّوت أن من الدلائل على أنّ تحقيق شيلكوت سيكون محدود الأهميّة هو أنّ تشكيلته تقتصر على أعضاء تمّ انتقاؤهم من طرف الزوير الأوّل ومن ضمن موظفين لدى الحكومة، وأنّ تقديم الشهادات لم يخضع لأداء اليمين، وأنّ الحكومة تسعى لكل جهدها للحيلولة دون أن تُمكّن اللجنة من الإطلاع على كلّ المستندات. وليس أدلّ على ذلك، كما قالت، أنّ الشاهد كريستفر ماير ذكر أربعة وثائق أساسيّة يعرف أنّها موجودة ولكنّها ليست في حوزة أعضاء اللّجنة.
وفي هذا الإطار، ظهرت مطالب هذا الأسبوع تدعو غوردن براون إلى إعادة النظر في الضوابط الحالية التي تحول دون كشف محتوى أهمّ الوثائق المثيرة للجدل وذات الدلالة الخطيرة. فقد وجّه نيك كلاغ، زعيم الحزب الليبراليّ الديمقراطيّ، رسالة للوزير الأوّل ينبّهه فيها إلى أنّ تقريرشيلكوت لن يُحقّق ما ينتظره الرأي العام البريطانيّ إذا لم يتمّ التخلي عن التمسك بحفظ السريّة الواسع الذي منحه للإدارة، والقيام بنشر فحوى المراسلات والتّقارير التي وردت في تصريحات الشهود.
وهو نفس الطلب الذي تقدّم به 179 من أقارب الضحايا الذين استعمت اللّجنة لشهاداتهم، والذين عبّروا عن غضبهم لما تمّ منحه من سلطات لموظفي الإدارة للحيلولة دون نشر الوثائق الهامّة جدّا. بل إنّ تخوّفات واسعة تقول أنّ التّقرير سينتهي إلى تبرير صنائع الطاقم الحكوميّ لأنّ التقرير النّهائي، كما جاء في الأبسارفر الأسبوعيّة الصادرة أوّل أمس، سيمتنع عن توجيه اللّوم لأيّ كان.
ويرى المحلّلون أنّ المهمّ بعد الآن ليس جرد تلك الأخطاء المتراكمة في مسار غزو العراق، بل التأكّد من أنّ مثل تلك الكارثة لن تكرّر في المستقبل. مشيرين إلى أنّ الحكومة البريطانيّة قد صرّحت بأنّ قرارها فيما يتعلّق بإرسال تعزيزات عسكريّة لأفغانستان متوقّف على الإستراتيجيّة التي سيعلن فحواها الرئيس الأمريكي أوباما في الأيّام القادمة. كما أنّ كِلا البلدين قد يكون منشغلا بالنظر في احتمال اللّجوء لتدخّل عسكريّ، حيث بدأ التفكير في مخطّطات إلحاق العقوبات بإيران. وفي كلا الحالين، يرى المحلّلون أنّ الدروس الأساسيّة من أخطاء الحرب على العراق مازالت لم تُستوعب بعد.
بل إن الدّعوة الآن اتّسعت للمطالبة بفتح حوار وطنيّ حول اتّجاهات السياسة الخارجيّة البريطانيّة في المستقبل. وهذا ما كتب حوله جيمس دانسلو، الباحث بجامعة كينكز كوليج والمختصّ في الشؤون الأمنيّة وقضايا الشّرق الأوسط، والذي ربط أهميّة الطلب خاصّة بتنصيب وزير للخارجيّة على المستوى الأوروبّي وقرب موعد الإنتخابات العامّة في المملكة المتّحدة.
وذهب كريسبين بلاك، الضابط السابق والمحلّل للنّشاطات الأمنيّة، إلى المطالبة بمراجعة القواعد الخاصّة بظروف وشروط خوض المملكة المتّحدة أيّ حروب في المستقبل. مشيرا إلى أنّ الساسة الحاليين تنقصهم الخبرة لاتخاذ مثل تلك القرارات. ودعى إلى ضرورة إضفاء الشرعيّة المسبقة على تلك القرارات بالرّجوع لرأي المواطنين والإلتزام بالشّفافيّة، وعدم قصر اتخاذ مثل تلك القرارات على جلسة سريّة يعقدها رئيس الوزراء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.