مرّ المولد هذا العام مختلفا بعض الشيء عن سابقيه، فقد لاحظ الناس أن تجارة المفرقعات كادت تبور بالنسبة للتجار الكبار وحتى الصغار أصحاب الطاولات في الشوارع والأحياء الشعبية في العاصمة ومختلف المدن. لأول مرة، ربما، تقلصت الحوادث الخطيرة والإصابات الحارقة الناجمة عن استعمال هذه المواد الممنوعة والتي تسجل باستمرار بهذه المناسبة في المنازل والساحات وتتطلب تدخل الاستعجالات الطبية. مرّ المولد دون صداع كبير من هذه الناحية وبدا واضحا أن حركة الوعي بدأت تأتي ثمارها بفعل الحملات التحسيسية لمخاطر استعمال هذه المواد المتفجرة خاصة من قبل الأطفال والذين لم يكونوا ليحظوا بها لولا الميزانيات الكبيرة المقدمة من قبل الكبار وخاصة الأولياء. هذا العام اختلف بعض الشيء وظهر أن التوعية على المستوى الإعلامي ومختلف الأجهزة المعنية قد حققت نتائجها، كما أن الخطاب المسجدي أدى ما عليه في الموضوع بتحريم شراء واستعمال تلك المواد التي تسيء للغاية من الاحتفال بمولد النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام، بل تكاد تفرغ الاحتفال من أي معنى تربوي وروحي لتهذيب النشء وتوجيهه ليعتز بهويته وانتمائه الحضاري وبمحبته للرسول الكريم. مرّت مناسبة المولد النبوي الشريف هذا العام ولم يختف الجدل من يرون بأن إحياء المولد بدعة وبين من يدافعون عن أنها بدعة حسنة وسُنّة مستحبّة ومندوبة لربط الجيل الجديد بماضيه وتاريخه ووجوب إحياء هذه الذكرى بالذكر والعبادة والتماس مواطن القدوة في حياة صاحب هذه الذكرى معلم البشرية محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام. ربما كان لهذا الجدل أثره البليغ في عزوف الناس عن شراء المفرقعات أيضا، وهذه من ثمار النقاش والحوار ولو لم يكن مباشرا ومفتوحا ضمن المؤسسات والمحافل المعنية، لكن آثاره وأصداءه بلغت مداها لدى مختلف الفئات وخاصة في المساجد هنا وهناك، وهي إشارة إيجابية تفحم من يمنعون الحوار بكافة أشكاله أو يخافون منه على كافة المستويات. من المهم جدا الحرص على إظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف، لكن الأهم حتما هو أن إحياء المناسبة هو فرصة لتدارس مواقف النبي الدعوية والاجتماعية والسياسية من أجل العبر وإحياء سنته وإدراك رسالته القائمة على المحبة والرحمة والسلام، والتوسّل بها في مواجهة العصر بمختلف تحدياته العسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية حتى لا يبقى المسلمون ضحية للأحداث ولا يبقى حكّامهم مجرّد خدم لسياسات الدول الكبرى ومشاريع الهيمنة لديها. إن المولد النبوي فرصة لمكاشفة الذات ومراجعتها ضمن دائرة السلوك والقيم المحمدية وما عدا ذلك من طقوس الاحتفال والمأكولات والمشروبات هو بهرجة زائفة وخروج عن المعنى. » فعودوا إلى حياة النبي فاستمدوا منها نور إيمانكم وجددوا بها صرح توحيدكم وحصنوا بها قلوبكم..« الإمام بن باديس