لا يجانب الصواب، من يرى بأن حزب جبهة التحرير الوطني قد نجا هذه خمس سنوات من هزة عنيفة كادت تجعل منه حزبين• ولا يحيد كثيرا عن الحقيقة، إن هو أكد بأن الفضل في بقاء الحزب متماسكا موحدا، إنما يعود إلى قيادة حكيمة راشدة، رفضت في أحلك الظروف وأشدها وطأة، أن تناور أو تساوم، على وحدة الحزب وتكفله بكل أبنائه، مهما بلغ بهم الشطط، ومهما نأت بهم الحزازات والمصالح عن الخط• الذين تابعوا وحضروا أمس المؤتمرات الجهوية لمندوبي القاعدة بكل من سطيفوقسنطينة، شاهدوا ولمسوا لمس اليد، كيف استعاد حزب جبهة التحرير الوطني صحته وعافيته، إن لم يكن شبابه وعنفوانه النضالي المعروف، لقد أعادت تلك المؤتمرات إلى الأذهان••أذهان المشككين الناقمين، صورة حزب تجاوز بكثير مرحلة النقاهة، ولم يعد في موقف الدفاع وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، بل في موقع الواثق من نفسه المطمئن إلى قواعده، الواثق في قيادته، المتأهب لخوض كل المعارك السياسية ورفع كل التحديات• المؤتمرات الجهوية لمندوبي المؤتمر التاسع بسطيفوقسنطينة، جاءت بمثابة ضربة استباقية، لأوهام وأحلام غربان الشؤم، وأكدت بالصورة والصوت أن حزب جبهة التحرير الوطني، كان وما يزال وسيظل، الصانع الأول للحدث السياسي، وأن ندوة جهوية يعقدها سواء في الشرق أو الغرب أو الوسط من الوطن، تتجاوز من حيث الأهمية والطرح الفكري ونوعية العنصر البشري مؤتمرات أحزاب بقضها وقضيضها، رغم تطاولها واستماتتها في التطاول على الأفلان• الشك الذي خامر بعض النفوس الضعيفة، والوهن الذي اعترى بعض الإرادات الخائرة، في رؤية حزب جبهة التحرير الوطني يضعف وتنحسر قواه، لم يعد له وجود، ولم تبق له آثار في المؤتمرات الجهوية، حيث لم يرقب المتابعون سوى تطلعا نضاليا إلى المقبل من الأيام، وتسابقا محموما بين المناضلين في رؤية المؤتمر التاسع ينعقد في ظل أفضل الشروط، ويحقق الأهداف والغايات المنتظرة منه• لئن كان جل الملاحظين والمشاركين قد ذاقوا في قسنطينةوسطيف طعم النجاح المؤكد الذي سيعرفه المؤتمر التاسع، فإن كل المناضلين - وبصرف النظر عن مواقعهم - أدركوا أنه لولا تشبث وإصرار القيادة منذ المؤتمر الجامع، على أن حزب جبهة التحرير الوطني واحد، لا يحتمل إلا عمليات الجمع، وغير قابل للقسمة على أي رقم كان••• لولا ذلك "التعنت" والإصرار، ما كان للحزب اليوم أن يتبوأ المكانة التي يتبوؤها على مسرح الساحة السياسية الوطنية، ولما بقي الرقم الصعب الذي يتعذر تجاوزه، في الحسابات الداخلية والخارجية، والتي تجري فوق الطاولة وتلك التي تتم تحتها على السواء•