استبعد الكاتب والمخرج المسرحي والعالم السوسيولوجي الفرنسي ريشارد دومارسييه الذي نزل ضيفا على منتدى الإعلام الثقافي بقاعة الأطلس أول أمس التوصل إلى تفعيل وتوقيع معاهدة الصداقة الجزائرية الفرنسية خلال عهدة الرئيس نيكولا ساركوزي، وأمام قوة اليمين المتطرف وباقي اللوبيات التي تحرك دواليب صناعة القرار الفرنسي . وأشار أن ذلك سيتحقق في حالة واحدة وهو فوز مرشحة الحزب الاشتراكي الفرنسي بقيادة سيغولان روايال التي ستترشح للرئاسة خلال انتخابات 2012 وتمتلك رؤية نافذة وعقلانية اتجاه الماضي الاستعماري لفرنسا والقضايا التي تعكر صفو العلاقات الفرنسية مع مستعمراتها السابقة، وضرورة قبول فكرة أن فرنسا تتشكل من مزيج متعدد العرقيات والأجناس المختلفة. وأشار ريشارد دومارسييه في السياق ذاته أن المعاهدة كادت أن توقع خلال زيارة الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك للجزائر »لكن الغباء السياسي والترتيبات السلبية لبعض الأطراف الفرنسية الحاقدة حال دون ذلك«، حيث تساءل عن إثارة داخل أروقة البرلمان قانون 23 فيفري وفي ذات التوقيت الذي أراد زرع فكرة الدور الإيجابي للاستعمار الفرنسي في الجزائر أو قانون تمجيد الاستعمار . وأوضح ريشارد دومارسييه أنه مع ضرورة التئام جراح الذاكرة والاعتراف والإعتذار الفرنسي للجزائر، وقال »ينبغي على فرنسا أن تعترف بجرائمها وما اقترفته آلتها العسكرية في الجزائر خلا ل المرحلة الاستعمارية، وضروري إيجاد صيغة معينة يتم فيها الاعتراف الفرنسي للشعب الجزائري من جهة مع الحفاظ على ماء وجهها وعدم إحراجها«. وباعتباره من جيل الفرنسيين الذين عايشوا مرحلة الثورة الجزائرية شكلت فضاعة ما اقترفته فرنسا خلال تواجدها في الجزائر وغيرها من المستعمرات محور الأعمال المسرحية التي أبدعها المناضل وصديق النضال الجزائري المسرحي ريشارد دومارسييه، من ذلك مسرحية »أزهار ميموزا الجزائر« التي تتحدث عن إعدام شهيد المقصلة الفرنسية في الجزائر إيفتون فرناند 1957 الذي رغم كونه فرنسيا، غير أنه فضّل الموت من أجل عدالة القضية والإنسان الجزائري. وقال دومارسييه »عشت مرحلة الحرب الفرنسية في الجزائر وكنت ضدها ومواقفي تشهد بذلك وأرى أن مناضلين فرنسيين كبار من طراز إيفتون فرناند وموريس أودان وشبكة الدعم الفرنسي من خلال شبكة جونسون وغيرها من المثقفين اليساريين لم يخونوا فرنسا بل هي تأكيد على قيم الحرية والعدالة«. وثمن تجربة مكافحة الجزائر لظاهرة الإرهاب والتطرف العنيف واعتبرها »تجربة كبيرة وأصيلة لأن من قام بمكافحتها هم من أبناء الجزائر ذاتهم وليس بمساعدة خارجية كالقبعات الزرق الأممية أو مساعدة هيئات دولية«، وأعاب على الغرب عدم تقديمه لتجربة الجزائر، وهي بلد مسلم، وتركيزه على تصاعد الإسلاموفوبيا . واستعرض الرحالة المسرحي ريشارد دومارسييه محطات من تجربته المسرحية التي تواصلت في أنغولا وهي المستعمرة البرتغالية السابقة، ومنابع كتابته التي تتشكل من محورين هما مواضيع تتصل بتطور المجتمع والظواهر التي تحركه وتساؤلاته، وتتعلق بالتاريخ والسوسيولوجيا، والمحور الثاني المتمثل في الحكايات والأساطير التي يبني منها عوالم أعماله المسرحية كنوع من الاستراحة من عالم الألم والمعاناة ويعبئها بالخيال. وأشار دومارسييه أنه لم يزر الجزائر منذ 2005 وقد انبهر لمستوى التطور وحركية المشاريع التي لاحظها، قائلا »سعيد جدا أن أسمع أن للجزائر 12 مسرحا جهويا في عمق الجزائر وتقدم فيها عروض مسرحية بمشاركة الفرق الشابة، وهي رؤية إستراتيجية حكيمة من قبل القائمين على الثقافة في الجزائر«، وثمن السياسة الثقافية التي تقف وراءها رؤية وزيرة الثقافة خليدة تومي بالنظر للمشاريع والمهرجانات والهياكل القافية التي أنجزت، معتبرا أن المسرح الحقيقي هو المسرح الجواري وليس مسرح المدينة لأنه يحقق الحميمية والتواصل، كما يخلق جمهورا جديدا من خلال مسرح الطفل. كما تناول بالحديث مسرحيته الجديدة »اوي لونا« التي تصنف في إطار المسرح الإيكولوجي وقد قدمها في العاصمة والمسرح الجهوي لسكيكدة الذي سيجمعه مشروع مسرحي، مشيدا بدور الفنانة صونيا التي نجحت كمديرة لمؤسسة ثقافية وكفنانة. وفي الختام كشف ريشارد دومارسييه عن مشروع مسرحي جديد عن نص الكاتب البريطاني الشهير وليام شكسبير.