قبل عشر سنوات من الآن، وتحديدا في عام 2000 ، خطب الرئيس بوتفليقة بعد توليه الحكم في عهدته الأولى قائلا : »إن الدولة مريضة« .. مريضة برجالها ومؤسساتها، وفتح حينها العديد من الورشات لإصلاح العدالة وإصلاح المنظومة التربوية وإصلاح أركان الدولة وغيرها .. وتم تطبيق العديد من آليات »معالجة الدولة المريضة« المنبثقة عن لجان الإصلاح. كما كان الرئيس بوتفليقة هدد في أكثر من مناسبة بأن يضرب بسيف الحجاج الفساد والمفسدين ويقطع دابرهم. وبعد عشر سنوات كاملة من ذلك التاريخ تقرر الدولة إنشاء لجنة لمحاربة الفساد، وهو يعني أن الفساد بلغ مداه، وأصبح ينخر الجسم والروح معا، ومن حق الشعب أن تزداد تخوفاته على أموال الدولة التي قرر الرئيس بوتفليقة ضخها في التنمية، فمن 150 مليار دولار خلال العهدة الثانية، إلى 286 مليار دولار للمرحلة 2010 – 2014، في ظل حديث يومي للصحافة عن »الاختلاسات والرشاوى والتلاعب بالصفقات في مؤسسات حساسة كسوناطراك والأشغال العمومية« على سبيل المثال. ولجنة محاربة الفساد الوليدة سترفع تقارير سنوية للجهات المعنية التي تقوم باتخاذ التدابير اللازمة في حق الفساد والمفسدين وربما المفسّدين )بفتح الفاء وكسر السين( أيضا. هذه اللجنة وعلى أهميتها ينبغي تفعيل أداءها بآليات مكملة وضرورية حتى تتمكن الدولة من تحقيق نتائج ملموسة، يلمسها المواطن ويشاهدها بأم عينيه مشاهدة اليقين. أولها استقلال العدالة استقلالية كافية تمكنها من الوصول إلى رؤوس الفساد حتى لو كانت من أعلى الرؤوس في الدولة، لأن التقارير التي ترفع للجهات الوصية، سوف تنتهي في نهاية الأمر بين يدي العدالة، لذلك إذا لم تكن العدالة قوية بقوانينها واستقلاليتها والقاضي محصنا ماليا وقانونيا فإن الفساد يستحيل ضربه بسيف الحجاج البتار، اللهم إلا إذا كان سيف الحجاج قد صدأ من شدة مكوثه في الغمد. وثانيا، إن الأنظمة الجمهورية بحاجة لمزيد من الانفتاح السياسي وحرية تشكيل الأحزاب، لكي تقوم بدورها في المعارضة والرقابة على مؤسسات الدولة، مشفوعة بقوانين تمكن المجالس المنتخبة من أن تنتخب بطريقة شفافة وديمقراطية تستطيع بفضلها امتلاك الشرعية الشعبية التي تؤهلها للقيام بوظيفة »الرقابة« المعطلة حاليا. وثالثا، يجب تمكين الصحافة بسقف محترم من حرية الممارسة الإعلامية، مع حقها في الوصول إلى مصادر، لكي تقوم فعلا بوظيفة الرقابة الاجتماعية، على أن يتم التقنين الذي يقضي بتحرك النيابة العامة تلقائيا بمجرد كشف الصحافة عن الفساد في أي مؤسسة كانت. ورابعا، ينبغي أن يمتلك المجتمع والمؤسسات القائمة فيه، سواء أكانت اجتماعية أو اقتصادية أو خدماتية أو مهما كانت »النقابات« التي تقوم بدور »حراسة المؤسسة«، إذا يجب أن نضع حد للنظرة السلبية تجاه العمل النقابي حاليا، فالنقابة ليست هيئة مولدة للإضرابات والاحتجاجات، بل هي شريك الدولة في حماية أموال المؤسسات، ومراقبة المفسدين. إن تعدد آليات مراقبة الفساد قد تكون ضمانا حقيقيا لمحاربته، أما آلية واحدة فلا نخالها كافية، لأنها ستكون بمثابة البصير الذي سلم أمره للعميان، وقديما قال الشاعر أبو العلا المعري : قد ظل من كانت العميان تهديه