لقد سمع بوتفليقة صوت الشعب المطالب برفع حالة الطوارئ وفتح وسائل الإعلام الثقيلة للرأي والرأي المخالف. وهو ما قرره رئيس الجمهورية الخميس الماضي. كان الشعب كله يتوقع أن يحدث شيئ ما، لأن العالم العربي كله يغلي، كله يطالب بالإصلاح السياسي، كله يطالب بالتغيير، وبعض البلدان العربية تطالب رئيسها بالرحيل، فيما أصبح يعرف باسم « الثورات الشعبية « ، ولا أحد يتوقع ويستطيع أن يؤكد عدم امتداد ثورة تونس ومصر إلى الجزائر أو بلدان عربية أخرى، خاصة بعد انتفاضة 5 جانفي في الجزائر بسبب ما قيل عن ارتفاع أسعار السكر والزيت، ثم بعد الإعلان عن تنظيم مسيرات شعبية من قبل أحزاب معارضة للمطالبة بالتغيير كتلك المقررة يوم 12 فيفري القادم. وقبل أن يعلن رئيس الجمهورية عن تكليف الحكومة بإعداد الإجراءات القانونية لرفع حالة الطوارئ قريبا وفتح التلفزة للحوار المتضاد، كانت هناك إشاعات عن قرب موعد تغيير الحكومة تغييرا جذريا، لكن الرئيس يبدو أنه فضل أن يبدأ برفع حالة الطوارئ لأنها المطلب الأكثر إلحاحا من قبل الصحافة والأحزاب وحتى المنظمات الدولية. والحقيقة أن حالة الطوارئ لم يعد لها أي مبرر بعد 19 سنة من فرضها، وخاصة بعد نجاح الجزائر في دحر الإرهاب ، وإن إبقاءها يعني وجود تناقض في خطاب السلطة، فمن جهة تؤكد أن الإرهاب أصبح من الماضي ومن جهة أخرى تتمسك بحالة الطوارئ بذريعة محاربة الإرهاب. كما أن إبقاء الإغلاق على التلفزة جاء بنتائج عكسية، لأن القنوات الأجنبية الكثيرة جدا تتيح للمعارضة والمحللين التكلم بحرية وانتقاد النظام والتعبير عن الذات، وهي قنوات ملتقطة في الجزائر ولها شعبية كبيرة مقابل تراجع شعبية التلفزة الوطنية الوحيدة، فما هو الداعي إذن لإبقاء التلفزيون الوطني يحتضر ويفقد جمهوره ، وتفقد معه الحكومة القدرة على إبلاغ صوتها للشعب ؟ ومن هنا يمكن القول أن قرار الرئيس برفع حالة الطوارئ قريبا وفتح التلفزة للحوار والنقاش المتعارض ينم عن تفكير سليم. غير أن الواقع والأحداث المحيطة بنا تتكلم بصوت مرتفع وتقول أن هذا أيضا ليس كافيا، فعبارة « قريبا جدا « المقررة لرفع حالة الطوارئ لا ينبغي أن تطول أكثر من اللازم، لأنها ستفهم على أنها مناورة لامتصاص « مسيرة 12 فيفري «. ومن جهة أخرى إن الحكومة تكون قد صمت آذانها عن صوت الشباب إذا لم تبادر بمنح العنصر الشباني المكانة اللائقة في المؤسسات الوطنية الرسمية، لأن الشباب يريد أن يرى نفسه وذاته في التسيير، أي يريد أن يسيّر ( بكسر الياء) لا أن يسيّر ( بفتح الياء) فقط. إن دعم الدول الغربية كلها لانتفاضة الشعوب في مصر وتونس واليمن ووقوفها إلى جانب حقهم في الديمقراطية والحرية تبدو كأنها سياسية غربية مخطط لها، لذلك أنا أتوقع أن العمليات الإنتخابية القادمة ستكون حساسة وستكون شفافة إلى أقصى الحدود لأن خلاف ذلك قد يشعل شرارة شبيهة بما حدث هنا وهناك. من المؤكد أن السلطة الجزائرية قد قرأت الأوضاع قراءة صحيحة، وسيكون لها الفضل أن تبادر هي بصناعة التغيير المطلوب الذي يستفيد منه الجميع ، وهو خير للجميع من أن يولد تغيير بطريقة قيصرية.