قد يشعر الناس بالحرج من الحديث حول ذلك في العلن، لكن الجميع بدون شك يؤيدون وجود المراحيض العمومية ويعتبرونها قضية جوهرية ، فعلى عكس مايعتقده البعض من أن الموضوع هو آخر إنشغالات و اهتمامات المواطنين ، يشكل غياب هذه الأخيرة مشكلا يؤرق الكثيرين لأن له علاقة مباشرة بالصحة العمومية . كانت العاصمة تتوفر إلى عهد قريب على عدد من المراحيض العمومية، بُنيت في عهد الاستعمار الفرنسي، خاصة بالشوارع الكبرى التي يتردد عليها المواطنون وبعض الطرقات التي تؤدي إلى الأحياء الآهلة بالسكان وتعرف حركة نشيطة للمارة ، كما كانت هناك مراحيض بالقرب من المساجد وكانت هذه المراحيض تستقبل المواطنين من المارة ومنهم الأطفال والعجزة والنساء الحوامل والمرضى الذين يفاجؤهم قضاء حاجاتهم الضرورية والطبيعية في وقت من الأوقات غير المناسبة خارج بيوتهم لسبب من الأسباب لا يستطعون التحكم فيها دون مقابل مادي . من مراحيض عمومية إلى محلات تجارية وبدلا من أن تضاعف السلطات المحلية من أعداد المراحيض العمومية على مستوى مختلف الأحياء مقارنة مع ارتفاع عدد سكان العاصمة بشكل كبيرعملت على القضاء على الكثير منها والتي كانت منتشرة هنا وهناك هدّمت وتحول بعضها إلى مقرات والبعض الآخر إلى دكاكين ومحلات فاست فود والبيتزا ، لأن ثقافة الاستهلاك تغلبت على كل منطق آخر مهما كان حتى ولو تعلق الأمر بالصحة العمومية مثل ما حدث –على سبيل المثال لا الحصر -مع المراحيض العمومية التي كانت متواجدة على مستوى حي باب الواد الشعبي وتحديدا بشارعي محمد بوبلة وكاردينال فرديي وغيرهما . فالمراحيض العمومية أكثر من ضرورية في الشوارع، خاصة للمرضى وكبار السن والأطفال، وغيابها يجعل هؤلاء في رحلة بحث مضنية خاصة إذا تعلق الأمربالأطفال وكبار السن وفئة النساء . الحديث مع الناس في هذا الموضوع لم يعد طابوها فالمراحيض العمومية هي مرافق مثلها مثل بقية المرافق العمومية الأخرى التي يحتاج إليها المواطن ، وفي الوقت الذي يؤكد فيه البعض أن دخول المراحيض العمومية القليلة المتواجدة على مستوى ساحتي الشهداء وأول ماي وغيرهما أمر مرفوض بالنسبة لهم لاعتبارات كثيرة نذكر منها ماقالته مواطنة التقينا بها بشارع حسيبة بن بوعلي أنها لن تدخل إليها لأنها بؤر للميكروبات والتعفنات التي قد تؤدي إلى أمراض خطيرة ، كما أنها لاتثق في مثل هذه الأماكن بعد أن سمعت عن حوادث تصوير النساء ليس فقط داخل الحمامات بل حتى في المراحيض العمومية والطريقة يعرفها الجميع ، وقد تداولت كاميرات الهواتف النقالة هذه الصورفعلا ، لذا الحذر مطلوب ولايمكنني أن أغامر أبدا، ناهيك عن مشكل انعدام النظافة تضيف محدثتنا دائما لدرجة انبعاث روائح كريهة تزعج أنوف المارة مابالك بالمغامرة والدخول إليها مثلما هوالحال بالنسبة للمرحاض العمومي المتواجد غير بعيد على نزل السفير . وإذا كانت هذه المواطنة ترفض رفضا قاطعا استعمال مثل هذه المرافق فإن هناك من المواطنين الذين يعتبرون قلة المراحيض العمومية وانعدامها في الكثير من الأحياء هو مشكل قائم بحد ذاته يؤرقهم ويقلق راحتهم بشكل مستمر ، حيث يضطر بعضهم إلى البحث في رحلة مضنية عنها ، أو الدخول إلى قاعة شاي أو مقهى وتناول شيء حتى يتسنى لهم الدخول إلى مرحاض المحل دون حرج ، خاصة حين يتعلق الأمر بالمصابين بداء السكري ، وأمراض الجهاز البولي ، وأولئك الذين يعانون من مشكل في القولون والنساء الحوامل والأطفال. وهناك من النساء من تضطرهن الظروف خاصة في حالة الحمل والإصابة ببعض الأمراض طرق أبواب عيادات الأطباء الخواص لقضاء حاجاتهن ولكن بعد التظاهر بأنهن مريضات وتسجل الممرضة أسماءهن في قائمة المرضى وينتظرن في قاعة الانتظار دورهن فقط ليدخلن المرحاض وبمجرد خروجهن منه يغادرن المكان ، فمعظم الممرضات بعيادات الأطباء الخواص إذا طلبت منهن إستخدام المرحاض فهن لايتوانين لحظة في تذكيرك بعبارة "الطبيب مايحبش" أو أن المرحاض مسدود "حاشاكم" . دخول المرحاض يكلف غاليا فيما إهتدى بعض أصحاب الحمامات إلى فكرة الاستثمار في هذا المجال حيث عمد هؤلاء الى وضع لافتة على باب دورة المياه توضح تسعيرة إستخدامها والتي تتراوح مابين 20 و30 دج . ووجد أيضا المارة على قاع الصور بمحاذاة مركب الكتاني الحل لمشكل قضاء الحاجة في مقر جمعية الأمل للمعاقين التي وضعت تحت تصرف المارة مرحاض يمكنهم استخدامه مقابل 10دنانير. ولايشكل غياب المراحيض العمومية مشكلا فقط بالنسبة لشريحة النساء باعتبار أن فئة الرجال بإمكانهم دخول المقاهي التي تنتشر مثل الفطريات بمختلف أحياء العاصمة وقضاء حاجتهم فهي تكفيهم عناء البحث عن مرحاض عمومي لأنه و على مايبدو فإن أصحاب المقاهي قد ذاقوا ذرعا بمستخدميها ربما لكثرتهم وبسبب مشكل انعدام ثقافة "رمي الماء بعد الاستعمال" لدى الكثيرين ، أو بسبب مشكل عدم توفر الماء بشكل يومي حيث أصبح السماح بإستعمالها يقتصر فقط على بعض الزبائن الأوفياء دون البقية ،فبابها موصد بمفتاح لايمنح إلا لصاحب الحظ ، وقد تبدو مثل هذه التصرفات من أصحاب المقاهي والعيادات الخاصة غريبة أو لاإنسانية لكن الحقيقة أن طرق أبواب العيادات من أجل قضاء الحاجة أمر غير معقول وغير منطقي وحتى الدخول إلى مقهى فقط من أجل استعمال دورة المياه هو أيضا أمر مرفوض فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتحول هذه المرافق الهامة إلى مراحيض عمومية، والحل هوإعادة النظر في أهمية المراحيض العمومية التي لاتقل أهميتها عن بقية المرافق العمومية الأخرى . بحكم تغير العادات الاستهلاكية للمواطن الذي كثيرا ما يمضي ساعات طويلة يأكل ويشرب خارج البيت لسبب أو لآخرإضافة إلى تزايد عدد المصابين بداء السكري وبقية الأمراض الأخرى التي تحتم على أمثال هؤلاء دخول المرحاض لعدة مرات في اليوم . ومهما يكن فإن تكلفة إنجاز مرحاض عمومي في كل شارع لايمكن أن تضاهي تكلفة التكفل الطبي بشخص واحد يعاني من تبعات حبس البول داخل الجسم لمدة طويلة فشتان بين الميزانية الأولى والثانية . وفي هذا الإطار يؤكد الأطباء المختصين في أمراض الجهاز البولي على أن الكثير من الحالات التي تعاني من سوء أداء إحدى الكليتين لوظيفتهما سببه هو التعود على حبس البول داخل الجسم لأكثر من ست ساعات متواصلة . كما يحذّر الأطباء الأولياء من منع أبناءهم من التردد على مراحيض المدرسة أو الروضة بحجة عدم نظافتها لأن اختلال في وظيفة الإفراغ ينتج عن تكرار تجنب الطفل استخدام مراحيض المدرسة لحين عودته إلى المنزل .