[email protected] بات العديد من السياسيين هنا أوهناك يتحدثون عن التغيير تارة باسم الشعب أو باسم الديمقراطية أو باسم حقوق الإنسان وباسم التداول على السلطة. كل بات يردد عبارات من قبيل التغيير الثوري والفوري في هذا البلد أو ذاك. مثلما يتحدث هؤلاء وأولئك عن التغيير الثوري باسم قيم وافدة جديدة لا يعرف البعض حتى مدلولاتها ومعانيها، ويقف ضدهم آخرون تارة باسم الحفاظ على الاستقرار وطورا باسم التداول السلمي على السلطة، فيرفضون التغيير باسم الحفاظ على الاستقرار واستتاب الأمن، ويعللون بالحجة أن كل تغيير عن طريق العنف يولد عنفا مضادا ،وقد يخلق ثورة مضادة ربما تتسبب في إسالة دماء الكثير من الناس الأبرياء المندفعين والحالمين بإيجابيات التغيير بدعوى أنه سيخلق أحقادا وضغائن ولا يحل المشاكل التي يكون قد ثار من أجلها الشعب الغلبان المدفوع من قبل أصحاب النوايا الخفية ومن طرف اللاهثين عن الكرسي بأي ثمن والمتقوقعين تحت أقنعة براقة أو الباحثين عن الاستعانة بالمساعدات الأجنبية للإطاحة بالأنظمة القائمة الموصوفة من قبل هؤلاء وأولئك بالأنظمة القمعية والأنظمة الفاسدة وبالأنظمة المرتشية أو الأنظمة )الجملوكية( التي أضحت بين بين ، أي بين نظام لا هو بالجمهوري ولا هو بالنظام الملكي والباحثة عن التوريث للأبناء أو الأشقاء أو حتى الموالين. لقد أصبح كثير من الناس وخصوصا أولئك الشباب الحالم بحياة سعيدة يسعى للتغيير الفوري دون التفكير في بعض العواقب التي قد تترتب عنه، فكثيرا ما يسرق بعضهم الثورات التغييرية ويهربونها عن أصحابها الحقيقيين ويصبحون قادتها وزعماءها والمستفيدين من ريعها ومن نجاحاتها ،لكن هؤلاء سرعان ما يصطدمون بدورهم بدعوة جديدة للتغيير من قبل أولئك الشباب الذين تبخرت آمالهم في ثورتهم الموءودة. لقد بات الجميع يبحث عن هذا الحل السحري الموصوف بالتغيير تارة وباسم الثورة تارة أخرى، كما بات كثير من الناس يتحدثون في أكثر من محفل أن الشعب يريد هذا التغيير الثوري. اليساري حتى أخمص قدميه يلوك صباح مساء هذه العبارة ويستخدمها استخداما مفرطا ومملا.. فهذا اليساري المسكين الباحث عن التغيير لا يشمله التغيير داخل حزبه.. فرئيس أو حتى رئيسة حزبه تجثم على صدر مناضليها لعقود طويلة دون حرج، ويظل أو تظل تبحث عن التغيير الفوقي لتصل به لأعلى هرم في السلطة دون أن تنظر إلى قدميها أو تمكن مناضليها الحالمين بالتغيير من أن يفكر أي منهم في تبوء منصبها ما دامت فيها بذرة من حياة.. فهوأوهي من باتت تخنق أنفاس هؤلاء وأولئك الحالمين بمزايا التغيير الداخلي في حزبهم اليساري الباحث عن التغيير ، وهي من هي من تضيق عليهم حرياتهم داخل أحزابهم ولا تترك لهم الفرصة حتى للتفكير الحر الذي يجعل هذا المناضل اليساري يشعر بأنه يساري فعلا بينما رئيسه أو رئيسته تعيش البذخ الرأسمالي المفرط هناك من وراء البحر من أجور وأموال واشتراكات هؤلاء المناضلين اليساريين. وأما هذا اليميني والاسلاموي المنادي بأعلى صوته في كل المنابر بالتغيير فإنه لا يحدث التغيير داخل منظومته الحزبية رغم أن التغيير يجري من تحته ولا يشعر به . فهو الذي يصدر الأوامر دون استشارة مجالس شوراه، وهو الذي يضع قوائم الانتخابات التشريعية وحتى المحلية ربما دون استشارة أقرب مقربيه . وهو من يجعل هذا في رأس القائمة والآخر في ذيلها.. وهو الذي يقول في النهاية إن حزبه كالثكنة العسكرية تماما من حيث الانضباط النضالي.. لكن هذا الزعيم الإسلاموي لا يريد في النهاية سوى الوصول للكرسي تحت أي غطاء ،حتى لوكان هذا الغطاء عسكريا باسم الديمقراطية التي يكرهها حتى أخمص قدميه.. السياسي عموما الباحث عن الكرسي بأي ثمن يتمنى هذا التغيير. والانقلابي على الدستور وعلى المؤسسات والعابث بمقدرات الشعب وقيمه وثوابته بات يتحدث باستمرار هو الآخر عن التغيير. حتى الحاكم المطلق المستبد في رأيه وفي قراراته يلوك مثل هذا المصطلح التغيير صباح مساء.. والذي يكره الإرادة الشعبية في التغيير الحر والنزيه والشفاف صار يردد دون حياء أنه مع التغيير الشعبي.. الطاعن في السن الذي لا يؤمن أصلا بإرادة التغيير لأنه عاش في بحبوحة اللاتغيير ولأن خلاياه وكروموسوماته باتت رافضة لكل تغيير يتحدث بدوره عن ضرورة إحداث التغيير دون أن يؤمن به أصلا أو يسعى إلى تطبيقه في الميدان. مسكين هذا المصطلح المظلوم الذي يردده من يؤمن به ومن لا يؤمن به.. مسكين هذا المصلح الذي يحلم به الشباب، فيظن أنه العلاج السحري لمعالجة مشاكله الاجتماعية والروحية والنفسية، ويتوهم أنه هو الذي سيدخله الجنة الموعودة.. بينما يستعمله دهاقنة السياسة والحكم المطلق كمطية للوصول للحكم أو للبقاء فيه أطول مدة والالتفاف حول عنق الباحثين عن التغيير الوهمي .. التغيير دعا إليه الأولون ومازال ينادي به المعاصرون .. التغيير ردده الناكرون للديمقراطية والمتنكرون لها ..واستخدمه المؤمنون بالديمقراطية . حتى النازي الألماني هتلر ورفيقه الفاشي الايطالي موسوليني عندما أشعلا فتيل الحرب العالمية الثانية فعلا ذلك باسم التغيير .. ورددا بأن الشعب أراد ذلك.. لكن تغييرهما جر عليهما وعلى شعبيهما وعلى البشرية جمعاء مأساة ما تزال آثارها المدمرة عالقة في الأذهان إلى اليوم. عدد كبير من الزعماء الذين قادوا ثورات شعوبهم باسم الانعتاق والتحرر وضرورة التغيير انتهوا إلى الاستبداد والتسلط واللاتغيير حتى ثارت بعض شعوبهم ضدهم ودعت إلى تغيير أعنف من التغيير الذي قادوه وأحدثوه في بلدانهم . فالذي يقود إلى التغيير اليوم ويدفع له قد يكون غدا ضحية التغيير. لست متشائما من التغيير، ولست معارضا للتغيير، فالتغيير سنة من سنن الكون المطلوبة. ولكن التغيير لن يقع إلا إذا شعر الناس بضرورة إحداثه مثلما جاء في الآية الكريمة من قوله تعالى: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. في تونس ثار الشباب والشعب التونسي الشقيق من أجل التغيير بعد أن استبد الرئيس السابق وحاشيته بالشعب حيث بات الثراء الفاحش سيد الموقف وسط عائلة الرئيس وعائلة زوجته الحلاقة ،حتى زُعم أن هذه الأخيرة قبل رحيلها وزوجها من تونس باتجاه المملكة العربية السعودية كانت تهيئ نفسها للإطاحة بزوجها المخدوع فيها وخلافته على رأس تونس . والشباب الذي فعلها في تونس وأطاح بزين العابدين ورموز النظام التونسي عاد للتجمع من جديد علمانييه وإسلامييه ضد ما بات يوصف بالثورة المسروقة . وشباب مصر الذين أزاح مبارك من الحكم وطلق التوريث الذي كان يلوح في أفق مصر مازالوا يتلمسون طريقهم في أن يحدث التغيير الذي أحدثوه تغييرا فعلا في الممارسة السياسية وفي الأذهان. ولكي لا يسرق الآخرون التغيير الشعبي والشباني المطلوب يجب أن يبقى التغيير من الأعماق منطلقا من قيم الشعب ومن التغيير كضرورة حتمية للإنسان العربي الباحث عن حياة حرة كريمة، ليس فقط عن سكن يأويه أو عمل يسد به رمقه ورمق أبنائه ،ولكن عن كرامة باتت مهدورة، وليس مجرد إملاء سياسوي داخلي أو خارطة طريق أمريكية أو غربية تسعى من ورائها الأنظمة الغربية لتجديد واجهات أنظمة عربية كانت موالية لها ومن صنيعها أصلا، أنظمة تآكلت بفعل الهرم والقدم بأنظمة جديدة (made in America) مصنوعة في أمريكا ويجري تنفيذها في تل أبيب بمقاسات الفوضى الخلاقة لكي يهرول الجميع وراء أوامر وتعليمات هيلاري بعد أن هرولوا بالأمس وراء كوندوليزا وقبلها مادلين.