بدأت مخابر الغرب تقتنع بأن تحذيرات الجزائر من إمكانية استغلال »القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي« للوضع في ليبيا لتوسيع نشاطها وزيادة نفوذها وللحصول على السلاح والعتاد العسكري، لم يكن مجرد تخويف فارغ على طريقة القذافي، الذي نبّه هو الآخر إلى أن »القاعدة« هي من يقاتل على الجبهات ضد القوات النظامية، وأن أي دعم للمعارضة المسلّحة سوف يكون في صالح الإرهابيين. منذ أيام نشرت تقارير استخباراتية غربية مدعومة بتحاليل لأكثر من خبير ومختص في الغرب تؤيد كلها أن للقاعدة وجود حقيقي بين المتمردين في ليبيا، وأن الإرهابيين حصلوا ربما على أسلحة عبر المهربين، أو من خلال السطو مباشرة على مخازن السلاح والذخيرة التي تركها الجيش الليبي دون حراسة لما انسحب من مواقعه، وجاء الدور على المدير السابق لجهاز الاستخبارات الداخلية الفرنسية »الدي أس تي« إيف بوني الذي أكد بأن »القاعدة« موجودة في جبهات القتال ضد القذافي، وأن الصورايخ المحمولة على الكتف والتي تستعمل في صد الهجمات الجوية أو ضرب المدرعات، والتي كانت منتشرة بين عناصر المعارضة الليبية لم نعد نراها ويرجح أن عناصر من »القاعدة« قامت بشرائها وتوجيهها نحو معاقلها بمنطقة الساحل الصحراوي. وجاء الدور على الرئيس التشادي إدريس دبي ليؤكد هو الآخر، انطلاقا من معلومات استخباراتية أيضا، بأن عناصر تنظيم القاعدة المغاربي حصلوا على أسلحة ثقيلة من ليبيا، من بينها صواريخ أرض-جو، وحذّر من أن هذا التنظيم الإرهابي قد يصبح أكثر تسلحا من بعض جيوش المنطقة، ويقصد دول جنوب الصحراء الكبرى طبعا. ولا داعي للعودة إلى ردود فعل الفرع المغاربي للقاعدة على الوضع في ليبيا، خاصة بعد دخول التحالف على خط الأزمة وقصفه لعناصر من التنظيم وقتل ما لا يقل عن 13 عنصرا منهم، ونشير فقط إلى رسالة أيمن الظواهري والتي كشفت عنها مجموعة »سايت انتلجنس« الأمريكية، حيث دعا الرجل الثاني في تنظيم القاعدة »المسلمين في شمال إفريقيا إلى قتال قوات التحالف وهذا قبل تدخلها عسكريا في ليبيا«، فضلا عن الدعوة إلى مقاتلة كتائب القذافي. ولو أن النظام الليبي هو الذي كشف عن هذه المعلومات لقيل من دون أدنى شك بأن الهدف هو تخويف الغرب بما سمي بفزاعة »القاعدة«، لكن الأمر يتعلق بجهات أمريكية تبدي حساسية لكل ما يتعلق بالنشاط الإرهابي، وهو ما قد يفسر ربما تراجع واشنطن عن »الوحل« الليبي، ورفضها مجاراة فرنسا وبريطانيا وإيطاليا في مساعيها الرامية إلى دعم المعارضة بالسلاح مخافة من أن يقع السلاح بين أيدي »القاعدة«. ولما يصرح قائد أركان من يسمون ب»الثوار«، اللواء عبد الفتاح يونس بأنه لا وجود للقاعدة في ليبيا، يجب أن ننتبه إلى أن من يدفعون بالوضع إلى الهاوية يدركون أكثر من غيرهم بأن ليبيا لن تقع بين أيدي »القاعدة« وسوف تفقد استقلالها وربما وحدتها. أما خطر »القاعدة« فهو على دول الجوار، وفي مقدمتهم الجزائر. النقاش حول تجاوز القرار الأممي والاستجابة ل »طلب« المعارضة في تدخل الناتو عسكريا على الأرض للقضاء على القذافي، مجرد ترتيب لقرار اتخذ سلفا ولن يمر وقتا طويلا حتى نرى القوات البريطانية والفرنسية والايطالية تجوب صحراء ليبيا لتحوّلها إلى عراق أو أفغانستان أخرى، ومن يعتقد بأن ذلك قد ينهي المسألة ويطوي ملف الأزمة في ليبيا يكون مخطئا، بل سوف يفتح أبواب جهنّم على الليبيين وحتى على جيرانهم، وسوف تتحوّل ليبيا إلى فضاء لحرب تخوضها أطراف مختلفة كما هو الشأن في العراق، »مقاومة« يتزعمها القذافي وأنجاله، و »جهاد« تخوضه مختلف التنظيمات المرتبطة بالقاعدة. فدخول الحلف الأطلسي إلى ليبيا هو أكبر هدية يمكن أن تمنح لتنظيم القاعدة وربما للقذافي أيضا، فهل بعد هذا هناك من يلوم الجزائر على موقفها الرافض للتدخل الأجنبي في ليبيا؟، وهل بعد كل هذا لا يزال هناك من يعتقد بان الحديث عن »القاعدة« في ليبيا مجرد تهريج لا طائلة من ورائه؟