رد وزير الداخلية دحو ولد قابلية على بعض »المراقبين« الذين لم يعجبهم حصول حزب جبهة التحرير الوطني على 220 مقعدا من ضمن 462 مقعد نيابي، بتحليل بسيط لكنه يحمل أكثر من دلالة، حيث قال بمنتهى الصراحة بأن المواطنين قاموا في تشريعيات 91 بتصويت عقابي، وهاهم اليوم يصوّتون في 2012 رغبة منهم في اللجوء إلى حزب أكد بفعل التجربة، خاصة بعد سنوات المأساة الوطنية، أنه ملاذهم الأمن، وأنه جامع للجزائريين وضامن لوحدتهم، وهو عنصر لا بديل عنه للحفاظ على التوازن الداخلي. ولست أدري لماذا انتفض بعض »الثوار الجدد« بمجرد أن أعلن رسميا عن نتائج الانتخابيات التشريعية التي حصل فيها الأفلان على العدد الأكبر من المقاعد، ولست أفهم لماذا يربط هؤلاء التغيير الحقيقي والانتقال الديمقراطي، بوجوب إقصاء الحزب العتيد من الحياة السياسية، ليتولى التيار الإسلامي السلطة، فهل كان هؤلاء ينتظرون أن تتعمد السلطة تزوير الانتخابات للسماح للتيار الإسلامي بالحصول على الأغلبية، ومن ثمة إعطاء الحجة والبينة بأنها تنوي إدخال الجزائر في صف دول ما يسمى ب »الربيع العربي«؟ المتتبع للكثير من الحوارات والكتابات والموائد المستديرة التي نظمت هنا وهناك واستدعي أليها أناس يقدّمون أنفسهم على أنهم محلّلين سياسيين حتى وإن كانت تخصصاتهم لا تمت بأي صلة إلى عالم السياسة، يقف على العجب العجاب، خاصة عند يسمع عويل ونحيب على النتائج، وانتقادات للحزب الذي حصل على الأغلبية، أي الجبهة، مع أن هؤلاء لم يقدروا على إدعاء التزوير، لإدراكهم بأن العملية الانتخابية جرت في ظل ظروف طبيعية شهد عليها الجميع بما في ذلك ممثلو المترشحين، والمراقبين الأجانب، والجنة الوطنية المستقلة لمراقبة الانتخابات، واللجنة الوطنية للإشراف على العملية الانتخابية، فضلا عن الصحافة الدولية التي حضرت بكثافة لتغطية الحدث. لقد بدا بعض المحسوبين على التحليل السياسي من الأكاديميين والمراقبين المتحزبين، وكأنهم يلومون الشعب الجزائري على اختياره لقوائم الأفلان بدلا من اختيار قوائم الإسلاميين الذين تحولوا إلى موضة في العالم العربي، فرضتها أمريكا وحلفاؤها في الغرب وبعض خدامها من العرب، فراح البعض يزعم بان النتائج الذي وصفها ب»الكارثية«، وأنها تكرس النظام الحالي، تعكس ضحالة الثقافة السياسية لدى المواطن الجزائري، وكأن بمثل هذا المتعالي على الجزائريين يقول أنه كان على الناخبين أن يختاروا التيار الإسلامي، خصوصا ما يسمى بتكتل الجزائر الخضراء الذي حلّ ثالثا، حتى يثبتوا للعالم بأنهم أذكياء وبأنه يتطلعون إلى التغيير وإلى الديمقراطية، وأنهم أهل لربيع عربي سلمي وبالتالي لن يجروا رغم أنوفهم إلى ربيع دام على غرار الربيع الليبي الذي لا يزال يصنع ماسي الليبيين، أو ربيع سوريا الذي يحصد عشرات الضحايا يوميا، ويهدد بإغراق البلاد في حرب أهلية مدمرة تأتي على سوريا كدولة وتحولها إلى لقمة صائغة تتسلمها أنياب إسرائيل دون مشقة أو عناء. لماذا لم يسأل هؤلاء عن الأسباب التي جعلت الجزائريين يجددون الثقة في الأفلان، ولماذا أداروا ظهورهم للتيار الإسلامي الذي لا يمكن بأي حال من الأحوال مقارنته بالتيار الإسلامي في باقي الدول العربية التي مارست الإقصاء والقمع بحق الإسلاميين، في حين فتحت الأبواب أمامهم في الجزائر للمشاركة، وقد جربهم الجزائريون وخبروا كفاءاتهم في أكثر من موقع حكومي وغير حكومي. لن نتحدث عن إنجازات الأفلان التي لا ينكرها جاحد، ونكتفي فقط بإحالة الذين تعجبوا من انتصار الجبهة على التاريخ، وما الذي حصل في الجزائر لما أقصي هذا الحزب ظلما من الحياة السياسية، وكيف أصبحت البلاد، في غيابه عرضة للإرهاب والاستئصال الذي دفع الجزائريين ثمنه غاليا في تسعينيات القرن الماضي، فهل توقع الذين لم يعجبهم فوز الأفلان أن يدير المواطن ظهره لحزب شارك بقوة في إنقاذ الجزائر، وإخراجها من أزمة أمنية قاتلة، وإعادتها إلى المحافل الدولية وإلى سكة التنمية بعدما تعطلت لأكثر من عشرية كاملة؟