الأزمات السياسية والتنظيمية التي اندلعت في صفوف الأحزاب السياسية منذ إعلان نتائج الانتخابات، تبرز بما لا يدع مجالا للشك أن هناك خللا في العملية السياسية برمتها، خلل في علاقة التي تحكم المناضلين بقياداتهم، خلل في علاقة الأحزاب بالسلطة، خلل في تعاطي الأحزاب مع الشارع العريض، بل يمكن القول أن الأحزاب كأدوات للممارسة الفعل السياسي بمفهومه الشامل قد فقدت هويتها. فالسلطة من حيث هي مؤسسة لإدارة الشأن العام، لا تولي أهمية للحزب، والحزب من حيث هو مؤسسة سياسية تجمع أفرادا حول مشروع مجتمع وتناضل من اجله، لا يولي أهمية لإطاراته ومناضليه وأضحى سجلا تجاريا كثيرا ما ارتبط بمؤسسه أو زعيمه والنتيجة أننا وجدنا أنفسنا اليوم أمام تصحر سياسي قاتل، فلا السلطة بإمكانها تأطير الشارع وتسييره وتوجيهه نحو هدف ما، ولا الأحزاب قادرة على التحكم حتى في مناضليها المنتسبين عضويا إليها، فما بالك بعموم المواطنين، وإلا كيف نفسر تمرد إطارات حزبية على قادتها، في الآفلان، الأرندي، حمس، الأفانا، الأفافاس، جبهة العدالة والتنمية، الإصلاح.....الخ أليس هذا دليل على أننا بعدين كل البعد على مفهوم الحزب المحدد تنظيميا وهيكليا وإيديولوجيا؟ أيعقل أن يشترط رئيس حزب ما على مناضليه إتاوات مالية تفوق 100 مليون مقابل الترشح ويقبل بها المناضلون ثم ينقلبون بعد الفوز ويطالبون بأموالهم؟ لما تصمت السلطة على مثل هذه الممارسات ف أوقات ما وتعيد إخراجها في وقت الحاجة؟ كيف يصل الأمر بزعيم حزب مهما كان، يمنع مناضليه من التعبير عن أرائهم في الأطر النظامية ويقصيهم إذا ما تحدثوا خارج تلك الأطر؟. الأكيد أن الأزمات التي تعصف بالعديد من الأحزاب السياسية منذ أيام لها مسبباتها، مهما كانت هذه المسببات، لكن ذلك لا يمنع من القول أن الحديث على طبقة سياسية في الجزائر ما هو إلا وهم، فالهياكل المسماة أحزاب أصبحت مجرد أدوات للتسلق والاستنفاع من الريع البترولي، فغابت عنها الأفكار والبرامج، وتخلت عن التنشئة السياسية كأحد محاور العمل السياسي وحل محلها استيراد المناضلين في المناسبات سواء من الداخل أو الخارج، وفي هذا المستوى سقط معيار الانتماء الإيديولوجي والإيمان ببرنامج الحزب أي حزب...فكانت الفوضى والصراعات. صحيح أنه من حق المناضلين الاحتجاج على قياداتهم أو توجهاتها أو تصرفاتها، لكن الصحيح أيضا أننا بعد أزيد من عشرين سنة عن الممارسة الديمقراطية التعددية اكتشفنا أننا في صحراء سياسية قاحلة، وان تعدديتنا ما هي إلا غثاء كغثاء السيل.