(محكمة العدل) تمثيلية كتبت في عهد الشاه، ولا أظن أنها عرفت طريقها إلى خشبة المسرح لما لها علاقة بموضوع الحكم والدكتاتورية معا. موضوعها بسيط جدا، لكن ظلال المعاني التي تنطوي عليها عديدة، ويمكن القول عنها إنها تقض مضجع كل حاكم متجبر. نرى إنسانا من عامة الشعب يرفض الانصياع لأمر المحكمة لأنه يعلم أن الحكم الذي سيصدر في حقه سيكون أشد وطأة من المخالفة التي ارتكبها، أي إن الميزان غير مكفول في المحكمة. وهاهو الشرطي يؤمر بالذهاب إليه لاقتياده عنوة، ويدخل في جدال مع المتهم، وينتهي الأمر بهذا الأخير إلى أن يفر من داره ويتحصن بضريح أحد الأولياء. ولما كانت سلطة الأولياء قوية، بالغة التأثير في أفراد المجتمع الذي ينتمي المتهم إليه، فإن الأضرحة هي الأخرى تتحول إلى حصن حصين لكل من أراد الإفلات من سطوة الحكام. ويقف الشرطي مكتوف الذراعين قبالة شباك الضريح، لا يتجرأ على اقتحامه، ويجد المتهم الأمن والأمان في المكان الذي التجأ إليه، ويدخل بدوره في حوار مع الشرطي محاولا إقناعه بأنه مظلوم، وبأن العدالة لا وجود لها في نظام جائر. ويهدده الشرطي في مبدإ الأمر وهو يعلم في قرارة نفسه أن التهديد لا يجدي نفعا قبالة ضريح الولي، ثم يعمد شيئا فشيئا إلى استخدام اللين معه، لكنه لا يصل إلى نتيجة. ولما كان الشرطي واقعا تحت وطأة سلطة جائرة تستخدمه على هواها، فإنه يخشى على نفسه من عقوبة شديدة قد تقع عليه في أية لحظة إن هو لم يتمكن من إلقاء القبض على المتهم. ويتحول التهديد من جانبه إلى استعطاف، ثم إلى خوف على حياته ومستقبل أسرته. ويضطر في آخر المطاف إلى أن يترجى خصمه المتهم لفتح باب الضريح حتى يلجأ إليه بدوره هو الآخر. تلكم هي وضعيتنا في هذا العالم الثالث المطحون. السلطة تستخدم أناسا غير مقتنعين بها، وإنما يأكلون الفتات على موائدها. وهي قد تعصف بهم في أية لحظة، وتستبدلهم بأناس آخرين لا يقلون جوعا عن سابقيهم. غير أن المرجع الأول والأخير يظل على حاله من القوة، وأعني به المرجع الأخلاقي الذي يجتمع حوله الناس. فضريح الولي يعتبر مرجعا لا مناص منه في مجتمع متخلف. أما السلطة فتبقى على بطشها إلى أن يجد المتشبثون بالأضرحة والأولياء سببا للقضاء عليها بالقوة. وذلك ما يحدث في أيامنا هذه في مختلف بلدان العالم العربي الإسلامي