يفعل المبدعون المغاربيون عامة والجزائريون خاصة ما يؤكّد باستمرار "عقدة" الشرق فيهم.. إنهم لا يتوانون عن الانبهار الزائد بالإبداع والثقافة والفكر بالمشرق العربي على خلفية تاريخية بدت مفهومة في البداية منذ قرن تقريبا حول سبق الشرق في حركة النهضة والإصلاح، وفي جهود الترجمة والإبداع، وفي بروز مثقفين وسياسيين من طينة الكبار يدعون مبكرا إلى التحرّر من التخلف و والاستعمار والتبعية، وكان يمكن أن يكون الأمر مفهوما لو انتبه هؤلاء المبدعون والمثقفون في المغرب العربي بأن التغيّر هو الثابت الوحيد، وأن مركزية الشرق لم تعد في القاهرة مثلما كانت باعتراف المنصفين في مصر ذاتها..! استلفت نظري كثيرا أن المؤسسات والجمعيات الثقافية لا تزال تتعلّق بحبل الشرق وتبدي إعجابا غير مسبوق بأهل الشعر والرواية والفكر من مصر وسوريا..وكأنّ الأرض فرّت من ثوانيها.. ما راعني حقّا أن نشاطا علميا وثقافيا رائقا في المغرب وفي تونس وحتى ليبيا وأن الجزائريين لا يلتفتون كثيرا لمركزية المغرب والتي ليست بديلا عن مركزية الشرق، ومع ذلك فإن الوقوف عندها والتفاعل معها من العلامات الصحية للثقافة في هذا البلد وتأكيدا للانتماء المغاربي المعطّل لحدّ الساعة.. مما يؤسف له، وبغض الطرف عن الأسباب التي نجترّها مرارا، أن المبدعين المشارقة الذين نستقدمهم في عدة مناسبات ومن غير مناسبة لا يخجلون من الاعتراف بأنهم لا يعرفون الأدب الجزائري ولم يقرؤوا للجيل الأول ناهيك عن الجيل الثاني أو الثالث، ويكتفون طبعا بترديد اسم أو اسمين مثل كاتب ياسين والطاهر وطّار..! إنهم لا يقرؤون لنا ولا يكترثون، لأنهم لا يبحثون أصلا عن نصوص وتجارب جزائرية، بينما يبدو من الجهل أن لا نقرأ نحن كتاباتهم ونبحث عنها في كل مكان بالرغم من أن كثيرا من النصوص لا ترقى فنيا.. استضفنا في الجزائر ونقرأ أيضا للأسواني عمارة يعقوبيان وشيكاغو، ونقرأ لبهاء طاهر وروايته الجميلة واحة الغروب، ونقرأ لإبراهيم نصر الله والغيطاني وسلوى بكر والقعيد والبساطي وسحر خليفة، ونقرأ لطيب تيزيني وأدونيس وعلي حرب ونصر حامد أبو زيد وغيرهم كُثر... لا يزال سحر الشرق فينا و "مصر أم الدنيا" وشرفات دمشقوالقاهرة وبيروت.. لا يزال كلّ ذلك كما لو ما من شيء تغيّر..بالرغم من أننا نكتشف صحة مقولة "تسمع بالمريد خيرا من أن تراه"، ونُصدم للغتهم الدارجة وأحيانا تحاليلهم السطحية وإلمامهم القاصر..! لم يعد للشرق شرقُ..ولا يزال الجزائري وحده من ينبهر بالإبداع والمبدعين هناك وللصناعة الإعلامية التي تقف خلفهم.. لا أحد يسأل في هذا البلد عن كيفية تسويق صناعتنا الثقافية والإبداعية إلى الوطن العربي كلّه..!