تصادفك بمفرغة النفايات ومزبلة الأحياء وغيرها من الأماكن التي تتواجد فيها أكوام الزبالة، لا محالة أفرادا، يقضون وقتا طويلا وسطها باحثين عن أشياء ثمينة ليس للاحتفاظ بها إنما لبيعها وضمان بضعة دنانير تساعدهم على سد رمق أبنائهم. تحولت مؤخرا المزابل المتواجدة على مستوى كل الأحياء، إلى مكان للشغل والتشغيل ووسيلة سهلة للقضاء على البطالة وتأمين لقمة العيش، حيث يلتف حولها أفراد يبحثون عن أشياء يرونها ثمينة وقيمة قادرة على ضمان بعض الدنانير لشراء الخبز والحليب. والأكيد أن أغلب أفراد المجتمع يعتقدون أن الأشخاص الذين لا يفارقون مفرغات النفايات ويقضون وقتا طويلا وسطها هم مجانين أو كما يقال عنهم بالعامية " كيلو". ولكن عندما تقربنا منهم تأكدنا أن هؤلاء الأشخاص اختاروا المزبلة لتأمين طعامهم وشرابهم ليسوا بمجانين إنما هم أناس فقدوا الأمل في إيجاد عمل مناسب يعيلهم وأسرهم أشخاص ضاقت بهم سبل الدنيا للعيش عيشة كريمة لذا قرروا بدل مد الأيدي وطأطأة الرأس والتظاهر بالمرض استغلال المزابل واتخاذ المفرغات العمومية مقرا عملهم لضمان خبز يومهم. فهم يبحثون يوميا دون كلل أو ملل، عن أشياء يعتقدون بأنها ثمينة يعيدون بيعها كبضاعة في السوق ومثلما قال لنا عمي السعيد " لقد أصبح الشيفون في زمننا هذا يباع ويدر على الناس الملايير، لماذا لا نستغل المزابل و نجني نحن أيضا منها ما يجنيه غيرنا منها، ونعيش عيشة الرفاهية". غير بعيد عن مدرسة حي الجرف ''3'' على مستوى بلدية باب الزوار لمحنا عمي السعيد وهو الاسم المستعار الذي فضله بعد أن رفض الإدلاء باسمه الحقيقي ولا حتى بمقر سكناه، لمحناه وسط مفرغة النفايات، يتحرك يمينا ويسارا، ويبحث بحثا حثيثا عن أشياء كأنما تصل قيمتها قيمة كنز ثمين. تقربنا منه وبقينا مدة دقائق ننظر إليه، لم تكن لدينا الشجاعة الكافية لفتح النقاش معه، خشينا أن يصدنا أو يسبنا أو حتى يضربنا، هو نفسه لم يعر لنا اهتماما، ولم يثر وجودنا حفيظة فضوله، فقد كان منشغلا في أعماله، يبحث بحثا حثيثا عن شيء يضمن له رغيفا لعائلته. بعد أن أخذتنا روح الشجاعة وصلابة القلب ألقينا عليه السلام، فانتبه إلينا واستدار بخفة جسده النحيل، ردا السلام ومتسائلا في الوقت نفسه عن سبب وجودنا أمامه، عما نبحث، بل وبادر بسؤالنا إذا ما كنا قد ضيعنا الطريق ليدلنا عليها. ولما أدرك أننا من الصحافة ابتسم و رحب بالحديث معنا ولم يمانع في طرح عليه أي سؤال يبادر إلى أذهاننا. قضينا مع عمي السعيد قرابة 15 دقيقة، كان هو يبحث عن رزقه - كما قال - بين أكوام المزابل وفي ذات الوقت يبادلنا الحديث ويرد على استفساراتنا. قال لنا عمي السعيد " أنا بين أكوام هذه الزبالة محاربا البطالة و الفقر ومعيلا عائلتي المتكونة من سبعة أفراد الذين يبيتون تحت سقف الترنيت بأحد أحياء العاصمة". توقف حينا من الوقت عن الكلام وغطس في الزبالة كمن يغطس في البحر، حتى أننا شعرنا حينها أنه قد نسينا، وإذا به يرفع رأسه ، حاملا بين يديه هاتفا نقالا، كانت ابتسامته عريضة وهو يحمل ذلك الكنز، تأمله مليا مسحه ثم وضعه في جيب سرته. وقال لنا " أتعلمين أنني سأعيد بيع هذا الهاتف ، وبه أشتري لأبنائي عشاء لذيذا. وتابع عمي السعيد " هذه الطريقة التي اخترناها للعيش سهلة ومتعبة في الوقت نفسه، سهلة لأنها لا تكلفنا مالا ومتعبة لأنها تجهدنا وتجلب لنا الأمراض، فأنا قد أصبت في البداية بمرض الجلد، حيث ظهر على جسدي بقعا حمراء ولما ذهبت إلى الطبيب المركز الصحي أخبرني أن البقع الحمراء سببها نقص النظافة ، والحقيقة " يردف عمي السعيد " لم أتوقف عن العمل إلا مدة قصيرة، ولما شفيت عدت إلى المزبلة لأجمع قوت أطفالي الصغار، ولست أبالي بتلك البقع الحمراء لأنها لن تضرني بقدر ما يضر الجوع بطون فلذات أكبادي". ويواصل" نحن ننظف الأشياء التي نجدها ثم نعيد بيعها في السوق كأي بضاعة وصراحة لا أخفيكم فهي تدر علي بمال ليس بوفير إنما على الأقل يضمن استمرارية الحياة " مختتما " أنا أبحث في هذه النفايات الأشياء الثمينة لكي يأكل أطفالي".