أثيرت أمس في الندوة التاريخية التي نظمتها مديرية الشؤون الدينية والأوقاف لولاية الجزائر بدار الإمام بالعاصمة، إشكالية المرجعية الروحية لثورة التحرير، وقد اعتبر المحاضرون والمتدخلون أن الاستعمار الفرنسي حاول بكل ما أوتي من قوة محو الإسلام والعروبة من هذه المرجعية، وبعد الاستقلال تواصلت العملية بفعل مؤرخين فرنسيين ولكن كذلك من قبل مؤرخين ومفكرين من داخل الوطن. الندوة التي حضرها ممثلون عن الأسرة الثورية وجمعية العلماء المسلمين في غياب رئيسها الشيخ عبد الرحمان شيبان، ونظمت بمناسبة ذكرى عيد الاستقلال والشباب، كانت ستمر بشكل عادي لولا التدخل الذي قام به المدير العام للأرشيف الوطني عبد المجيد شيخي، الذي جلب انتباه الحضور المشكل في أغلبيته من الأئمة وطلبة المدارس القرآنية، منذ البداية حين كشف أنه غير محتوى المداخلة التي كلف بها ، حيث لم يتردد في القول أن المؤرخين الوطنيين واصلوا كتابة التاريخ وفق الطريقة التي كان ينظر بها المستعمر الفرنسي للكفاح الوطني منذ المقاومات الشعبية إلى الحركة الوطنية ثم ثورة التحرير، وهي الطريقة المبنية كما قال على استصغار المرجعية الحقيقة للأمة الجزائرية والمبينة على مقومين أساسيين وهما الإسلام واللغة العربية، ولام شيخي الأقلام الوطنية التي سارت في نفس المنحى الذي رسمه المستعمر، بتناولها للجوانب الدينية للثورة باحتشام. وقال مدير الأرشيف الوطني أنه في مرحلة ما بعد الاستقلال "حاولنا استنساخ خطير للفكر اللائكي الذي كان سائدا في عهد الاستعمار، وأريد لنا أن نترك المقومات الحقيقية للأمة الجزائرية، مع أن الشيخ ساركوزي كما وصفه، يحضر بنفسه احتفالات قداس الكنيسة، ويحاول إيهامنا نحن أن اللائكية هي الحل للخلافات في المجتمع الجزائري، ودعا شيخي إلى إعادة توظيف الدين في كتابة تاريخنا بدل المرور على هذه المسائل مرور الكرام". وذهب وزير التكوين والتعليم المهنيين الهادي خالدى في نفس منحى شيخي، حين أكد أن الاستعمار الفرنسي عمد بمجرد دخوله إلى الجزائر بتحويل المساجد إلى كنائس مثل مسجد كتشاوة، وأشار الوزير إلى أن كل قادة الثورة والمقاومة كانوا من خريجي المدارس الدينية والزوايا، فوالد الأمير عبد القادر الجزائري، كان مقدم طريقة، ومعظم القادة خلال ثورة التحرير درسوا في الأزهر الشريف مثل هواري بومدين، وذكر الخالدي أن رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة أعاد للمسجد وظيفته وللزوايا مكانتها. وذكر وزير الشؤون الدينية والأوقاف بوعبد الله غلام الله في الكلمة التي ألقاها بالمناسبة أنه من غير المعقول أن يقوم بعض الجزائريين بتسويد كل شيئ بعد الإستقلال، واستغرب الوزير من صحف جزائرية لم يذكرها بالإسم تصدر بعناوين عريضة قائلة بمناسبة عيد الإستقلال والشباب أن لا شيئ تحقق في جزائر ما بعد الإستقلال واعتبر ذلك كفر، وصف هؤلاء كمن "يأكل الغلة ويسب في الملة" كما يقول المثل الجزائري. وكان الدكتور أحمد مريوش رئيس قسم التاريخ بمعهد تكوين الأساتذة ببوزريعة بالعاصمة، قد قدم محاضرة أكاديمية حول البعد الروحي والتحديات الثقافية والحضارية من جيل الثورة إلى جيل الاستقلال، حيث أكد من خلالها أن جمعية العلماء المسلمين كان لها دور كببر في ثورة التحرير، كما أشار إلى أن جبهة التحرير كانت تجمع كل التيارات الإيديولوجية وهو ما ساهم في نجاح ثورة التحرير. وللإشارة تم خلال هذه المناسبة توزيع 20 قرض حسن على عدد من المتفوقين المتخرجين من معاهد ومدارس التعليم والتكوين المهنيين وتصل قيمة القرض إلى 30 مليون سنتيم بعدما كانت القيمة لا تتجاوز في السنة الماضية 20 مليون سنتيم.