يكفي القليل من الانتباه داخل مختلف الأسواق حتى يكتشف المواطن نماذج متنوعة من ممارسات الغش في البضائع والسلع الموجهة للاستهلاك، رغم ما يقال عن العيون الساهرة لحماية المستهلك ممثلة في عدة أطراف كمصالح المراقبة والنظافة ومراقبة الغش وجمعيات الدفاع عن المستهلك وغيرهم• وقبل الخوض في هذه المسألة، لا بد من الإشارة إلى ما أجمع عليه المستجوبون، وهو أن المستهلك حر في كل ما يريد شراءه، وليس من حق أي تاجر أن يفرض عليه أي شيء أو يفرض عليه كمية أكثر من التي يطلبها• ويشير أحدهم إلى أن المستهلك أصبح في المفهوم المتداول لدى التاجر شخصا محكوما بكثرة الاستهلاك، فيبيعه حتى ما لا يرغب فيه أحيانا• وبإمكان أي مواطن أن ينتبه إلى أن أبرز مظاهر الغش موجودة عند الجزارين، فعندما يزن قليلا من اللحم يجب على المستهلك أن يتأكد من أنه جديد، وهنا يلاحظ أن بعض الجزارين لهم أساليب عديدة في الحيل، إذ أنهم يعرضون اللحم الجديد في الواجهة ثم يجلبون لك ما تطلبه من الداخل، وبسرعة فائقة يزنون و''يقرطسون'' دون أن تنتبه• ويضيف محدثنا أن البعض الآخر يتظاهر بتقطيع ما ترغب فيه وبسرعة تذهب أصابعه إلى قطع أخرى متناثرة، فيأخذ بعضها تكملة للوزن الذي يطلبه المستهلك• ومن منطلق عمل محدثنا كإطار بمديرية المنافسة والأسعار، يذكر ظاهرة أخرى استفحلت وسط الجزارين وهي استعمال ورق اللف غير المطابق للمادة التي يبيعها، ويقصد بذلك ''الكاغط الخشين'' في كل عملية وزن اللحم، علما بأن هذا النوع من الورق مخالف لشروط هذا النشاط لسبب بسيط وهو أن سعر الكيلوغرام منه لا يتجاوز 50 دينارا في أحسن الأحوال، ويعمد الجزار دائما إلى وضع حوالي 150 غرام من ورق اللّف في كل كيلوغرام من اللحم ومعناه أنه غش في 50 دينارا، حسب ذات المتحدث• ويستطرد الإطار الحديث في هذا السياق مستحضرا حالات الغش كتمرير الشحم تحت اللحم بحيث لا يظهر، وعندما يعود المستهلك إلى المنزل يكتشف بعد فوات الأوان أنه كان ضحية احتيال• وإذا كان هناك من التجار من يعملون بضمير واع، فإن الأغلبية يتفننون في التطفيف في الميزان، ومثلما يتعمد الجزار أو بائع السمك خطف اللحم أو السمك خطفا ثم يرميه في كفة الميزان، قبل أن يتأكد الزبون من مقدار الوزن، فهناك بائع الفواكه والخضر الذي يتظاهر بأنه نسي 50 غراما عندما يزن علبة طماطم ويتم تنبيهه إلى ذلك• وهناك أيضا من يضرب الميزان ضربا حتى تنزل الكفة• ونوع آخر من الغش المفضوح والمعروف لدى الجميع بمن فيهم مصالح المراقبة يتمثل في نزع كتلة الرصاص أسفل كفة الميزان، أو وضع قطعة معدنية تحت الكفة التي يزن بها البضاعة فيربح 50 أو 100 غرام في كل عملية وزن، وهناك أيضا من يضع آلة الوزن بعيدا عن الزبائن ويلعب لعبته كما يشاء• لكن القليل من الزبائن من يطالب بالوزن أمام عينيه حتى يتأكد من وضوح وشفافية العملية•ويتوصل الغشاشون في كل مرة إلى ابتداع الحيل لتحقيق الفائدة على حساب الضمير وأخلاق المهنة• وإذا كان هذا الصنف موجودا، فإنه يكثر في الأسواق الشعبية وبالأخص منها الفوضوية، فإن الكثير من المحلات التي يقال عنها جميلة وجيدة ونظيفة لا تخلو من نفس الممارسات، إذ يتم عرض البضاعة الممتازة مثلا في الواجهة، أي ما يصطلح عليه بوجه السوق، وما دون ذلك في الأسفل، كما يضع كميات أمامه لترجيح كفة الميزان• والغريب لدى هؤلاء أنهم لا يسمحون للزبائن بالحصول على البضاعة التي تعجبتهم، كما أنه من النادر أن يعرض بائع الفواكه مثلا سلعته كما هي، بل يجتهد في إخفاء البقع الفاسدة بحيث لا يظهر إلا الجانب الجيد• كما انتشرت نغمة ''السلعة الرخيسة'' ومثال ذلك أن ينادي البائع بأعلى صوته الكيلو من البطاطا 65 دينارا، والحال أن كيلوغراما من البطاطا بسعر الجملة هذه الأيام 70 دينار، فيذهب ظن المستهلكين أنه قام بتخفيض السعر والواقع أنه قام بالغش في الميزان• وإمعانا في الغش، يعمد تجار البقول والتوابل إلى خلط المواد الاستهلاكية الكاسدة للمواد الأكثر رواجا ولم يعد المواطن يتفاجأ بوجود الشعير في البن المرحي، وزيت الزيتون مخلوطا بالزيت النباتي، وعسل النحل بالسكر والقمح المصبوغ يقال عنه فريك، والشعير المطبوخ في الماء المغلي يقال إنه مرمز، كما نجد النقانق أو ''المرفاز'' الذي لا نعرف أصله ولا فصله• عيون '' الفجر'' أكدت أن هناك من الجزارين من يحضرون ''المرفاز'' بخليط اللحم المتنوع من الأمعاء والزلوف البقري ولحم الماعز والنعجة صغيرة السن• لكن السؤال أمام هذه الممارسات المضرة بصحة المستهلك من جهة وابتزازه من جهة أخرى، هو هل هناك فعلا مصالح تحرص على مراقبة الأسواق ومحاربة مختلف عمليات الغش؟ يحدث هذا في الأسواق الشعبية والتي يقال عنها متحضرة وأمام أعين لجان المراقبة لكن ما يحدث في الأسواق الأسبوعية أخطر، ويتطلب منا وقفة أخرى لتنبيه المستهلك•