كتبت الاسبوع الماضي معلقا على زميلي الأسطوري الظريف سعد - تركه الله ذخرا للإعلام الجزائري بوجه عام ول ”الفجر” بوجه خاص- أننا نتنفس الإيديولوجية في كل لحظة، وغياب التصور الإيديولوجي لماهية ومكانة الثقافة في المسيرة التنموية الجزائرية كان السبب الرئيسي في انتشار ثقافة الإلغاء والاستئصال قبل وبعد الثورة والإستقلال وتهميش الصحفي الثقافي أوالمثقف، وتأخر ظهور منتدى الإعلام الثقافي إلى غاية عام 2010، لم تكن إلا حقائق أفرزها تاريخ الجزائر الأعمى.. الأصم.. والأعرج. التصور الإيديولوجي اليقظ والحي والواعي، عكس الحالة الجزائرية، هو الذي سمح لإريك زمور، جزائري وبربري ويهودي الأصل، بأن يصنع الحدث السياسي والثقافي والإعلامي بلا منازع بعد أن غطى على ملصقة لوبان الإشهارية التي تقطر حقدا على المهاجرين والمسلمين والجزائريين بدعوى محاربة الإسلاميين.. ولم يحقق إريك سبق تجاوز عنصرية لوبان في كتابه القذر إلا بعد أن نوه به سفاح الجزائريين في القصبة البطلة قائلا إنه من بين الصحفيين القلائل الذين يتفهمون خطابي إلى جانب إليزابيت ليفي وسيرج مواتي. ولمن لم يتمكن من تصنيف الأخيرين إيديولوجيا نقول إنهما يصبان في مجرى الجوهر الثقافي الواحد. إريك زمور اليميني والإقطاعي المحافظ والمتطرف الذي تحول إلى نبي جديد في دين شيطنة المهاجرين العرب والأفارقة.. يحتل صدارة الصحف والمجلات واستديوهات الإذاعات والقنوات التلفزيونية هذه الأيام بمناسبة صدور كتابه ”حزن فرنسي” عن داري فايار ودونوال، وظهور مؤلفه مباشرة قبل أيام من تاريخ الدورة الاولى للإنتخابات الجهوية وانتهاء النقاش حول الهوية الوطنية الذي عرف انزلاقات عنصرية خطيرة - كما أكدنا ذلك أكثر من مرة - .. حقائق أخرى تعمق صحة إيماننا الراسخ بدور المثقف العضوي الغرامشي المواكب والصانع لحركية وتوجه التاريخ الايديولوجي والثقافي بغض النظر عن طبيعة الأهداف التي قد نختلف أونتفق مع صانعيها، كما هو الحال اليوم مع زمور رفيق درب ابن جلدته برنار هنري ليفي، النبي الايديولوجي الآخر الذي يختلف ظاهريا مع زمور في مسائل فرنسية داخلية ويقاتل معه في ساحة تأييد إسرائيل الظالمة تاريخيا والمظلومة في تقديرهما.. حتى بعد محرقة غزة. وتتلخص أطروحة كتاب زمور الذي روج له في القنوات العمومية والخاصة، رغم عنصريته الموصوفة التي ندد بها مولود اونيت رئيس حركة مناهضة العنصرية والصداقة من أجل الشعوب، في الحقبة التاريخية الكارثية التي تعيشها فرنسا بعد أن فشلت في الحفاظ على مجد روما جول سيزار الإمبراطوري وفي تكريس الروح النابوليونية التي دحرت في واترلو إثر تعرضها لطريحة انجليزية نكراء. إريك الحزين والباكي على مجد فرنسا الإمبراطوري وعلى تراثها الثقافي المسيحي الماضي.. تعرض لمختلف الحقب التاريخية التي كرست الصفاء العرقي الأوروبي والمجد الحضاري الروماني والعرق الابيض الناصع حتى بعد زوال الملكية وبروز الجمهورية العلمانية لاحقا.. ورفع راية الجهاد العنصري وأعلن حالة الطوارئ منددا بالقطيعة الخطيرة التي عرفتها مسيرة الصفاء العرقي إثر الشروع في قبول اندماج أجانب غير بيض يرفضون أسماء إريك وروجيه ودنيال ويفضلون أسماء عربية وإسلامية، مثل محمد عبد القادر وأحمد ومليكة من باب التشبث بهويتهم الأصلية المنافية لذوبان إيديولوجي في صلب المذهبية العلمانية والعرقية الاورروبية التاريخية. زمور غير الصافي عرقيا كما يؤكد ذلك تاريخ عائلته البربرية الجزائرية اليهودية خصص أكثر وأكبر الفصول الثمانية لتاريخ المجد الإمبراطوري والغالي والجمهوري السابق لانبطاح موصوف أمام كحول وسمر الراس باسم التنوع العرقي، واختتم مؤلفه بصفحات مقتضبة ضمنها صرخة الداعي إلى وقف زحف حرب أهلية قادمة لا محالة سيكون أبطالها عرب ومسلمو ضواحي المآذن والمساجد والضواحي والأقمصة والبرقع والمخدرات والسرقة. زمور الذي يستضاف هذه الأيام كمعلق جديد في آرتي آل وقديم في برنامج لوران روكييه ”لم ننم بعد” التلفزيوني، ويستضيف نفسه عبر مقال أسبوعي في مجلة لوفيغارو مغَزين.. كان ضيف النجم غيوم ديران مساء يوم الأربعاء في برنامج ”موضوع الفضيحة”. وهذه المرة لقن درس المحلل النفساني يهودي وجزائري الأصل مثله جيرار ميلر وذاق من طعم عدم حياد المنشط ديران. الأول رد عليه أن فرنسا الجمهورية الرسمية والعلمانية الطبقية والعنصرية هي التي رمت بالعرب والمهاجرين في الضواحي التي تخشى أن تشعل فيها حربا أهلية وجامعة فانسان الواقعة في ضاحية سان دونيه التي شيطنها إريك، تعد نموذجا للتعايش العرقي بين عرب وأفارقة وفرنسيين، حسب ميلر التي يدرس بها. وأكد ديران قول المحلل الاستاذ الجامعي بأن ضاحية سان دونيه ليست قلعة سراق ومدمني مخدرات فقط وموطن إثنيات عربية ترفض الاندماج، وأن مستشاره البنكي أشقر الوجه يعيش وسط مهاجرين أفارقة وعرب لا يمتون بصلة للإسلام السياسي أو للاسلام توكور. سهرة الأربعاء التي اضطرتني إلى ملاحقة زمور في القنوات الاخرى.. مكنتني من متابعة برنامج ”كلمات منتصف الليل” الثقافي الرائع الذي يشاهده مجانين الثقافة من أمثالي. البرنامج استضاف روائيا جزائريا صاعدا اسمه رشيد جعيداني. وحتى لا أثقل عليكم، أعزائي القراء، أفضل أن أترك كيفية رده على زمور الحقد والعنصرية لملحق الأسبوع القادم بحول الله.