قطاع الصحة في ولاية المدية يعد من أهم القطاعات التي تهم المواطن نظرا لخصوصيته وأهميته وتأثيره السلبي أو الإيجابي، ومن المؤكد أن الوافد على أي مستشفى ترتسم في ذهنه نظرة سلبية أو إيجابية عن طريقة استقبال المرضى وصولا إلى الإمكانيات المتوفرة بنوعيها البشري والمادي المتواجد في هذا المستشفى أو ذاك المستوصف ولاية المدية كغيرها من ولايات الوطن التي يكثر فيها الحديث عن هذا القطاع بشكل ملفت الانتباه، ومن أجل الغوص أكثر في هذا الموضوع ارتأينا أن نقوم بجولة لبعض المستشفيات في محاولة منا لمعرفة خبايا هذا القطاع في ولاية عانت ولا تزال تعاني في هذا الجانب، على الرغم من المجهودات المبذولة في هذا المجال. مستشفى محمد بوضياف .. القلب النابض للصحة بالمدية بداية هذه الجولة كانت نحو مستشفى محمد بوضياف بوسط مدينة المدية والذي يعد من بين أبرز الهياكل الصحية في الولاية وحتى بالنسبة للولايات المجاورة، نظرا لما يتوفر عليه من مصالح وتجهيزات حديثة وطاقم طبي كفء تفتقر إليه جل الهياكل الصحية الأخرى المتواجدة عبر تراب الولاية وخارجها. وأنت تلج هذا المرفق الصحي يتخيل إليك أن المرضى أكثر عددا من الأصحاء، فلا توجد مصلحة بها أماكن شاغرة، وأصحاب المآزر بمختلف ألوانها البيضاء والخضراء تجوب الأروقة ذهابا وإيّابا والكل مشتغل. ولعل الملفت للانتباه في هذا المستشفى، المشهور بسمعته الطيبة، هو نظافة المكان، حيث يزود المريض بأغطية ووجبات ساخنة وعاملات النظافة يوميا يشتغلن من أجل نظافة المكان. ومن بين أهم المصالح التي تعرف إقبالا واسعا من طرف المرضى هي مصلحة طب العظام، حيث كانت لنا دردشة مع أحدهم، والذي كان ينتظر دوره من أجل الفحص بعد سقوطه من فوق سطح بيته. سألناه عن الاستقبال وطريقة التكفل داخل المستشفى فأجابنا بنبرة تملؤها الحسرة ”إذا لم تكن لديك (المعريفة ) فلا أحد ينظر إليك”، وترك الحكم لنا ولضمير الأطباء العاملين بالمستشفى. وفي هذا الصدد، اقتربنا من أحد الأطباء الذي سألناه عن ظروف استقبال المرضى، فقال إن الطبيب يوميا يتعامل مع ذهنيات كثيرة ولا بد له من التحلي بالصبر، نافيا أن تكون هناك ازدواجية في التعامل مع المرضى. مستشفى بني سليمان .. قبلة لسكان الناحية الشرقية للولاية وجهتنا الثانية كانت نحو مدينة بني سليمان حيث تتواجد المؤسسة الاستشفائية للصحة العمومية، رئة الصحة في الناحية الشرقية للولاية، إذ وجدنا نفس الصورة في جولتنا الأولى ترتسم في هذه المؤسسة. جموع كبيرة من المرضى والزائرين يجوبون أروقة هذه المؤسسة، وكل المصالح تشتغل بقوتها القصوى من أجل خدمة المريض. اقتربنا من أحد المرضى وهو ينتظر دوره من أجل الفحص في مصلحة العيون، سألناه عن الاستقبال وطريقة تعامل الأطباء والممرضين، فرد ”إن الكل يعمل وفق ما يمليه عليه ضميره”، مشيرا إلى أنه كما تجد أكثرية من الأطباء والممرضين يتكفل بك ويساعدك ويخفف من آلامك، تجد فئة أخرى وهي أقلية تشمئز منك وتتجاهلك”. انطلاق مشروع مستشفى تابلاط .. حلم تبدد على الرغم من أن مدينة تابلاط تعد من أعرق مدن المدية وأكثرها كثافة سكانية، إلا أنها لا تتوفر على مستشفى من شأنه أن يقلل من معاناة المرضى، الذين يتحتم عليهم التوجه في الحالات المستعصية نحو مستشفى الولاية نظرا لتبدد حلم السكان في انطلاق مشروع مستشفى تابلاط الذي علق عليه السكان آمالا كبيرة من الناحية الصحية، الاجتماعية والاقتصادية والذي طال انتظاره. وبعد الهبة التي منحتها العربية السعودية للجزائر من أجل إنشاء ثلاثة مستشفيات عبر الوطن، كانت مدينة تابلاط إحدى المناطق المستفيدة من هذا المشروع، بدأ التهليل والفرح يعمّ كل سكان المنطقة، لكن صاحب المشروع الأجنبي الذي فاز بالمناقصة فاجئ الجميع وترك المشروع في المنتصف وفر بجلده تاركا وراءه سكان تابلاط يندبون حظهم بعد علمهم بإتمام إنجاز المستشفيين الآخرين. إلا أن تدخل وزارة الصحة مؤخرا لإعادة بعث المشروع من جديد جعل سكان تابلاط يستبشرون خيرا. ونحن نغادر هذه المستشفيات التي كانت لنا وقفة عندها يمكن القول إنها مجرد عينة لا تجسد الواقع الحقيقي للصحة بالمدية، حاملين في أذهاننا تساؤلا عن حال الصحة في المناطق النائية بالولاية حيث تزداد معاناة المرضى في ظل غياب التكفل والرعاية الصحية اللازمة ونقص الوسائل المادية والبشرية والتي جعلت من سكان المناطق النائية ضحايا فقط لأنهم يقطنون بعيدا عن المدينة.