تمكّنت أخيرا الجزائر من فرض منطقها الاقتصادي على الاتحاد الأوربي ولو نسبيا، بعد أن استغلت ظرف الأزمة العالمية لصالحها، وتسجيلها لثلاثية قوية، بعد إدراج سلسلة من الإجراءات الحمائية لاقتصاد الدولة، ستتخلص بفضلها تدريجيا من التبعية للخارج، بحسب ما يراه الخبراء، منهم الأوربيين ذاتهم. يقول خبراء الشؤون الاقتصادية في تعليقاتهم حول استجابة الاتحاد الأوربي لمطلب الجزائر الخاص بإعادة جدولة الرسوم الجمركية، بالرغم من أنه حق مشروع وفق ما تم الاتفاق عليه في اتفاقية التبادل الحر سنة 2005، إنها نقطة قوة بالنسبة للجزائر، وتسجيل هدف أول على الاتحاد الأوربي، بحساب جولات مفاوضات التبادل الحر التي ستنتهي بالتفكيك الجمركي الكلي للسلع البينية سنة 2017، باستثناء المواد المتفق عليها بين الطرفين، حيث تمكّنت الجزائر من فرض منطقها في التفاوض والتجارة مع الاتحاد ولو نسبيا، بعد أن كانت سابقا مجرد “بازار” لسلع دول الاتحاد وتعاني التبعية في مختلف الجوانب. ويقول المتتبعون إن تفتح الجزائر على الأسواق الآسيوية والأمريكية والعربية، مكّنها من إذلال المطالب الأوربية السابقة، فضلا عن استغلال الأزمة العالمية لصالحها بما أن دول الاتحاد تعاني منها. إجراءات الاستثمار الجديدة تؤتي أُكلها وبالرغم من أن هذه الدول وإلى جانب الولاياتالمتحدةالأمريكية، انتقدت سابقا في ندوات صحفية هنا بالجزائر، إجراءات الاستثمار التي أقرّها قانون المالية التكميلي لسنة 2009، لكن سرعان ما انعكس ذلك بالإيجاب، بالنظر إلى تهافت هذه الدول على السوق الوطنية، وبحث فرص الشراكة، وذلك ما تؤكده مؤشرات البنك الدولي في تقاريره حول الجزائر، حيث يؤكد نمو الاستثمار الأجنبي مع بداية السنة الجارية رغم تراجعه إلى النصف خلال 2009، وبالتالي تسجيل الجزائر لهدف ثاني في شباك الاتحاد الأوربي، وإخضاعه لشروط الاستثمار الداخلية التي بدأت دول الاتحاد تستجيب لها تبعا، خصوصا دول شرق أوربا منها رومانيا، وبولونيا. التنافس بين الدول الأوربية يخدم الجزائر أما فيما يتعلق بالتنافس الأوربي على السوق الجزائرية، فهو في حد ذاته هدف - يقول المتتبعون- إذ تمكّنت الجزائر من خلط أوراق الاتحاد ككيان اقتصادي موحد، وراحت كل الدول الأعضاء تبحث عن مصالحها الخارجية دون مراعاة الدول الأخرى، كما كان معمول به سابقا، حيث تحتفظ الدول المستعمرة بمستعمراتها في هذا المجال، لكن عودة ألمانيا، إيطاليا، صربيا، اليونان، بلجيكا، والمنافسة التي تطرحها الصين، حال دون ذلك، بل وسجلت فرنسا خسائر تجارية ضخمة مع الجزائر بسبب الإجراءات الجديدة، بالموازاة مع تزايد حدة الأزمة العالمية، وهي الآن تسعى لإعادة مجدها الاقتصادي السابق، غير أن التنافس الحاد بين دول الاتحاد، يُصعب من مهمتها، خصوصا بعد تجديد العهد بالولاياتالمتحدةالأمريكية وكندا. وعليه يبقى الاتحاد الأوربي يحاول إقناع الجزائر بربطه لمستقبلها الاقتصادي بمستقبله، ويطمح لتحقيق ذلك من خلال اتفاقية التبادل الحر المبرمة إلى غاية 2017، غير أن تفتح الجزائر على الأسواق الدولية الأخرى، على غرار السوق العربية والآسيوية - يقول الخبراء - لن يخضعها للتبعية الأوربية وستتحرر التجارة الخارجية من قبضتهم، لا سيما وأن السوق العربية متقاربة المؤشرات من الناحية الاقتصادية مع الجزائر.