الحمد لله الذي جعلني أقرأ مقالا كهذا قبل أن أموت.. مقالا يدافع صراحة عن التخلف الإعلامي في بلادنا، ويهاجم بكل شجاعة فكرة فتح المجال السمعي البصري للمنافسة، وينظر بكل عبقرية لمهمة الإعلام في القرن الواحد والعشرين (تزويق الواقع). لا يا سيدي بوعقبة، نحن لسنا أغبياء مثل الأمريكان الذين تكشف وسائل إعلامهم عن تجاوزات الجيش الأمريكي في العراق، ولا مثل الفرنسيين الذين لا يتوانون في كشف فضائح مسؤوليهم، نحن علينا أن نكون أكثر ذكاء من كل هؤلاء ونقدم صورة منمقة لبلدنا تجعل الآخرين يعتقدون أننا نعيش في نعيم، وربما قد تقنعنا نحن أنفسنا بذلك، فغوبلز كان يقول: اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس. لا يمكن للتلفزيون الجزائري ولا لأي مؤسسة عمومية أن تخرج من دائرة الرداءة بدون منافسة. ما يحدث في مصر هو شيء مراد، ولا يخرج عن الديمقراطية الصورية التي تدعو إليها (والموجودة عندنا في الصحافة المكتوبة) سحب النقاش من الشارع والولوج به إلى بلاطوهات التلفزيون، حتى يكون النظام في منأى عن أي ثورة شعبية، لأن المواطنين سيعتقدون أن انشغالاتهم تلقى آذانا، وأن هناك من يقوم بالثورة (حتى لو كانت كلامية فقط) وحتى لو كان من يتكلم بحالهم هو نفسه من يدعو إلى انتخاب (الأستاذ) جمال. بدل الدعوة إلى مواصلة غلق المجال الإعلامي، يمكنك الدعوة إلى إنشاء ورشات للتفكير في القوانين والأطر التي تنظم الحياة الإعلامية وتجنبنا الانحرافات، وتحمي حرية وسائل الإعلام من ضغوطات السلطة وأصحاب النفوذ. كل يوم تكشف الصحافة في الغرب عن فضيحة مالية أو أخلاقية تحدث في بلدها (أبطالها يقعون بين رئاسة الجمهورية أو العائلة المالكة وبين مواطنين بسطاء) فهل زادنا ذلك إلا احتراما لتلك البلدان؟ هل وضع الوزير أصبعه على مكمن الداء عبقرية منه؟ الجميع يعلم أن التلفزيون الجزائري مريض، ومنذ عشرين سنة وأنا أسمع وزراء الإعلام في بلدنا يضعون أصابعهم على الداء دون أن يغير ذلك من رداءة تلفزيوننا قدر أنملة. هشام - الجزائر ملاحظة: الأخ هشام.. أنت تحسن الكتابة.. ولكنك لا تحسن القراءة..! فأنا لم أدافع عن بقاء الرداءة بل حذرت من أن نقع في رداءة أسوأ. أعد قراءة عمودي مرة أخرى..! أنا أدافع عن فكرة إعلام يناقش السلطة أو يسكت مثل الإعلام الأمريكي والغربي كما تقول.. وليس الإعلام الذي يناقش الروائح الكريهة في السلطة ويناقش نتائجها في المواسير..! بالأمس فقط سمعت أن أحد الكتاب المصريين ناقش مع الرئيس مبارك مسألة غلاء الطماطم في مصر! وهو ذكاء من هذا الكاتب أوصل به للرأي العام رسالة بالغة الأهمية.. على طريقة ابن المقفع! فهل لو كان بإمكان هذا الكاتب أن يتحدث لرئيس الدولة عن رخص الوزراء والحكومة دون أن يعاقب.. كان سيلجأ للحديث عن غلاء الطماطم؟!