وضع مصر ليس بأحسن من وضع تونس، بل هو أخطر مما تعيشه تونس من فوضى، ليس لأن مصر بوابة الشرق الأوسط، والجار الذي تعول عليه إسرائيل، أو بالأحرى كانت تعول عليه إسرائيل، في لجم حماس وكسر عظم المقاومة الفلسطينية، وورقة الضغط على محمود عباس وقبله ياسر عرفات للانصياع أمام الخيار الإسرائيلي والأمريكي فحسب، بل لأن مصر مهد الحركة الإسلامية، وتاريخ الإخوان في هذا البلد يعود إلى قرابة قرن من الزمن، ومنه فرخت كل التيارات الإسلامية التي انتشرت في العالم العربي والإسلامي فيما بعد، فمن مصر خرج الفكر الجهادي، ومن مصر كانت تصدر الفتاوى والإيديولوجيا السلفية التي ترتكز على التمويل السعودي، وهذا ما يجعل وضع مصر الآن بالخطورة التي نراها اليوم، واستهداف الحركة الإسلامية للأقباط ليس بالجديد، فحتى أيام حكم عبد الناصر حصلت مواجهات وأعمال عنف بين الإسلاميين والأقباط، مواجهات كانت تختفي ثم تعود من حين إلى آخر يستغلها الإخوان في استعراض عضلاتهم وكثيرا ما يدفع فاتورتها الأقباط. الأمر لا يختلف اليوم، فالحركة الإسلامية المصرية المستقوية بالحركات الإسلامية في باقي البلدان العربية والتي التفت حول حراك الشارع العربي في اليمن ودمشق وحتى في ليبيا، تريد اليوم في مصر أن تختصر المسافة والزمن للوصول إلى سدة الحكم باستعمال الترهيب، وهو الأسلوب الذي دأب عليه التيار الإخواني منذ عهد حسن الصباح إلى اليوم، فعلى ضوء تجربة مصر يتحدد مستقبل “الثورات” الإسلامية في العالم العربي، ووصولهم إلى الحكم في مصر سيعبد الطريق أمام حركة الإخوان في باقي البلدان العربية، وهو ما يسعى إليه اليوم الشيخ القرضاوي عبر قناة “الجزيرة” التي سيطر التيار الإخواني على توجهها بمجيء وضاح خنفر، وفتاوى القرضاوي كلها تصب في التمكين للإخوان من الوصول إلى الحكم في تونس مثلما في مصر أو في سوريا واليمن وغيرها. وبالتالي فالحركة ستستعمل كل السبل للوصول إلى الهدف الذي صار قاب قوسين أو أدنى من الحكم. الأكيد أن الشعب المصري بريء من حادثة امبابا، مثلما هو بريء من حادثة كنيسة القديسين في الإسكندرية في نهاية السنة المنصرمة، التي بينت التحريات ووثائق الأمن المسربة بعد سقوط نظام مبارك، أن النظام هو من استعمل الفتنة الطائفية للجثوم على صدر المصريين.