من جملة المحاسن في الصوم اكتساب مكارم الأخلاق لأن قلة الأكل من محاسن الأخلاق، لم يحمد أحد على كثرة الأكل، بل يحمده على قلة الأكل كل ذي دين وفي كل حين ، ولم يرو عن أحد من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كثرة الأكل.. ومما يحكى أن أحدا من أهل العزم رأى الولي الصالح بشر الحافي في المنام جالسا على أريكة وملك يطعمه ويقول كل يا من لم يأكل لأجله، و ملك آخر يسقيه ويقول اشرب يا من لم يشرب لأجله فكأنه يقول: تكلف عبدي بالأمر الشاق لا يتصور في المعقول فأنا أجزيه جزاء لا يتصور منه وهو لقاء من صام لقاء ربه إلا به. وإذا ظن بعض الناس أن الصيام هو الإمساك عن الأكل والشرب والشهوة وما عدا ذلك فهو مباح فهو خطأ لأن الأئمة من السلف الصالح رضوان الله عليهم كانوا يعدون الانحراف عن آداب الدين في أثناء الصيام من دواعي الإفطار كما سبق؛ بل لقد بالغ بعضهم فجعل من أحوال الصيام أن يمسك القلب عن التفكير في أمور الدنيا، وأن ينصرف إلى ذكر الله وحده، والتدبر في أمور الآخرة، ومصاير العباد، بحيث إذا ترك العبد هذه الحال لحظة واحدة فإنه يكون قد أفطر بسبب مشاهدة غير الله، وتلك هي رتبة الأنبياء والصدّيقين والمقربين رضوان الله عليهم أجمعين. أما نحن فلا نطيق هذا الأدب، ولكن يكفينا أن نعيش أيام الصيام في محاولة لتربية النفس على أخلاق الإسلام، وأخذها بأحكامه ليكون لصيامنا أثر إيجابي في المجتمع، إلى جانب أنه عبادة خفية ليس فيها ظهور ولا يمكن أن يخالطها رياء، ومن ثم قال الله عز وجل في الحديث القدسي الذي أخرجه البخاري : “كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به”. فالله ينسب الصوم إلى ذاته نسب تشريف، وإن كانت العبادات كلها له، كما نسب البيت إلى نفسه تشريفا له، والأرض كلها له، يورثها من يشاء من عباده.هذا هو الصيام الذي أراده الله لكم “لعلكم تتقون”، لهدف هو التقوى التي سلك الدين إليها سبلاً كثيرة، ووضع لها وسائل عديدة منها الصيام. وإذا لم يتوافر للمؤمن شعور بتقوى الله في نهاية صومه فليعلم أنه قد أخل بعمله، فلم يؤد العبادة على وجهها الصحيح الذي يحدث التقوى. بقلم: الشيخ الطاهر بدوي