من قال إن حرية التعبير في الجزائر ناقصة فقد كذب! فهذه وزارة الدفاع الوطني.. المؤسسة التي يقال إنها تحكم البلاد يتعرض البيان الذي أصدرته للدفاع عن نفسها ضد صحيفة لم تتجرأ في بيانها على ذكر اسمها.. يتعرض البيان للرقابة من طرف المؤسسات الإعلامية. فالتلفزة التي يبدو أنها نشرت البيان بحذافيره وكما أنزل من وزارة الدفاع ذكرت أن وزارة الدفاع تحتفظ بحقها في متابعة الصحيفة المعنية قضائيا! في حين قامت وكالة الأنباء الجزائرية بنشر البيان وحذفت منه العبارة السابقة التي ذكرتها التلفزة والتي يبدو أنها لا أهمية لها في نظر وكالة الأنباء.. رغم أن الوزارة تكون قد أقحمتها في البيان. وبالمقابل نشرت الصحيفة المعنية البيان في ذيل الصفحة الثالثة بعد أن قامت بحذف ما رأته غير مناسب نشره من محتوى وكالة الأنباء الجزائرية ورغم أن الصحيفة نشرت الخبر الذي كذبته وزارة الدفاع في بيانها إلا أن بيان التكذيب نشر في الصفحة الداخلية.. على شاكلة نشر بيانات الكلاب المسعورة الضالة التي ينشرها معهد باستور! وقامت صحيفة ثالثة بنشر الخبر أقل مهنية مما نشره التلفاز وأكثر مهنية مما نشرته الصحيفة المعنية.. ولكن خبر هذه الصحيفة كان يحمل توقيع صحفي في الجريدة.. ولا تتساءلوا عن مهنية من يوقع البيانات الصادرة عن المؤسسات حتى ولو كانت بيانات تكذيب! لكن هناك العديد من الصحف تجالهت هذا البيان رغم صدوره عن مؤسسة يتسابق الصحفيون إلى نشر همساتها وليس بياناتها.. وقد تجاهلت الصحف الصادرة بالفرنسية هذا البيان بصورة خاصة.. ربما لأن أخلاقيات المهنة تقتضي أن لا يرد على صحيفة بواسطة بيان ينشر في وسائل إعلام أخرى حتى ولو كانت حكومية؟! لكن يجوز خرق أخلاقيات المهنة وقراءة الرد في التلفزة عوض نشره في الصحيفة المعنية مادامت الصحف عندنا ماتزال تتصرف مع حق الرد بمنطق غريب يتضمن عدم النشر أو النشر بتصرف في المكان الذي لا يلفت الانتباه! مسألة تعامل وسائل الإعلام المختلفة مع بيان وزارة الدفاع بتصرف يحيلنا على الحاجة الأكيدة لضرورة وجود مؤسسة ضبط وربط لأخلاقيات المهنة. الحق يقال: إن العديد من الناس لم يقرأوا ما كتبته الصحيفة المعنية إلا بعد أن قرأت التلفزة الوطنية بيان وزارة الدفاع! وهذه المسألة في حد ذاتها تعكس مستوى الضياع الإعلامي الذي أصبحت عليه مؤسسات الدولة.. بحيث تقوم وسائل الدولة نفسها بنشر الأكاذيب وعلى نطاق واسع عبر تكذيب الأكاذيب! فقطاع الإعلام الآن شبه "هامل" حتى ولو قيل إنه يسير من طرف"الهامل"!