الرسائل القصيرة تختزل زيارات المعايدة وتسرق حميمية العيد لم تعد مضطرا للتنقل من أجل زيارة أهلك وأقاربك بحلول العيد، يكفي أن ترفع سماعة هاتفك لتجري مكالمة أو تبعث رسالة قصيرة تفي بالغرض.. هو تغير أملته حياة جديدة طغت عليها التكنولوجيات الحديثة وانعكست على الأعياد الدينية، وإن كانت توفر العناء عن الشبان فإن الكبار في السن يعتبرونها تشتيتا غير مباشر للعائلة وتقليلا من قيمة الأقارب، في حين يرجعها علماء الإجتماع إلى التغير في تركيبة المجتمع. بمجرد حلول العيد تتهاطل على هاتف أو كمبيوتر الكثير من الناس رسائل التهنئة بالمناسبة المباركة، بدرجة توحي بتحولات اجتماعية كبيرة إثر انتشار استخدام الأنترنت والهواتف المحمولة، والتي تسدي خدمة المعايدة دون التعرض لازدحام المواصلات، ما أدى إلى إفراز أنماط جديدة من التواصل الإجتماعي لم تكن سائدة في عقود خلت، لاسيما وسط فئة الشباب، الأكثر استعمالا لتقنيات الاتصال الحديثة. التهاني الإلكترونية توفر عناء الزيارة.. استغنى الكثير من الشبان الجزائريين عن التنقل من بيت إلى آخر، من أجل تهنئة أقاربهم بعيد الأضحى بعدما أوكلوا هذه المهمة ل”الأس أم أس”، حيث تتم غالبا كتابة رسالة المعايدة لتصل مباشرة إلى الأطراف المنشودة بعد الضغط على زر''الإرسال'' سواء عن طريق الهاتف النقال أوالأنترنت. فرغم تشابه عبارات التهاني في أيام العيد، إلا أن طريقة تلقيها تختلف باختلاف نوعية التكنولوجيا والجهاز المتوفر لدى المتلقي، ويصنف بعض الشبان أسلوب المعايدة وفقا لنوعية العلاقة التي تربطهم بالشخص، وبالنسبة لهم فإن الأولوية في الزيارة تكون للأقارب، أما البقية فلا حرج في تهنئتهم عن طريق المكالمة الهاتفية أوالرسالة القصيرة. وفي نفس السياق عبّر كريم، 27 سنة، عن إعجابه بأسلوب الرسائل، ففي ظل التقنيات التكنولوجية المتاحة أصبح التواصل أسرع وأسهل، مختصرا بذلك حتى المعايدة. نفس الرأي اتفق عليه شابان مراهقان ذكرا أنهما لا يزوران إلا بعض الأقارب، حيث يروق لهما إرسال عبارات التهاني بالعيد عن طريق الهاتف الجوال لمعارفهما، خاصة أن هناك الكثيرين ممن يتوجب عليهم معاديتهم في حين يقطنون في أماكن متفرقة، ما يصعب زيارتهم. الرسائل القصيرة تشتت العائلة وتضيع نكهة العيد عكس ذلك، الكثير من الموطنين لا تروقهم هذه العادة في المعايدة والتهنئة التي يعتبرونها دخيلة على مجتمع طالما تباهي بلحمته وعلاقاته الاجتماعية في المناسبات الدينية، فالسيدة خديجة، على سبيل المثال، تعتبرها تقليلا من قيمة الأقارب.. فرسالة قصيرة لا ترقى لأن تترجم معاني التآخي والتقارب التي يكرسها ديننا الحنيف في مثل هذه المناسبات الدينية، والتي تحمل العديد من المعاني الروحانية التي تلغيها التكنولوجيا بشكل مخيف. لم يختلف معها كثيرا السيد خالد، الذي لا يروق له هذا الأسلوب في تهنئة الأقارب والأحباب، ويفضل عوضا عن ذلك الإتصال الشخصي لمعايدة الآخرين أو السؤال عنهم حتى إن كانوا يقطنون في أماكن بعيدة، ذلك لأن - حسب وجهة نظره - الرسائل وحتى المكالمات الهاتفية تغيب روحانية العلاقات وتصيبها بالبرود. وبدا جليا من خلال الآراء التي استطلعتها “الفجر” أنه رغم تعدد وسائل الاتصال الحديثة وانتشارها، إلا أنها لم تؤثر على عادة العديد من الأشخاص ممن يرون أن الرسالة عن طريق وسائل الاتصال تختزل حرارة التهاني والعلاقات الاجتماعية، وتضع حواجز إلكترونية، ولذلك لابد من طرق الباب وقبلات السلام لمعايشة فرحة العيد!. التهنئة الإلكترونية مناسبة للتواصل مع الأصدقاء والمغتربين من جهة أخرى، تحدث بعض المواطنين عن جدوى المعاديات الإلكترونية بالنسبة للأهل الذين أبعدتهم عنا المسافة، لاسيما المغتربين والأصدقاء من خارج الوطن.. يتعلق الأمر ب”سارة''، طالبة جامعية، التي قالت في الموضوع ‘'إن إرسال رسالة قصيرة عن طريق الهاتف النقال للمعايدة على الآخرين عيب في نظري''، مضيفة أنها تفضل الزيارات الشخصية، في حين أن رسائل ‘'أس.أم.س'' مثلا لا تصلح سوى لمن تفرقنا عنهم المسافات البعيدة. وقاسمتها الرأي منى، التي تمارس هذا الأسلوب في المعايدة مع صديقاتها المقيمات في الخارج وأفراد عائلتها المغتربين، في حين تحرص على زيارة من تستطيع من الأهل و الأقارب. ورغم اتباعه أسلوب إرسال الرسائل لبعض الأصدقاء الذين يقطنون في أماكن بعيدة، يعتبر الشاب صديق، أن تأثير الزيارة الشخصية وتبادل التهاني على المباشر أقوى، ووقعها أبلغ على النفس من مجرد كلمات على شاشة إلكترونية. التغير في تركيبة المجتمع والتطورات التكنولوجية قلصت التواصل الإجتماعي في الأعياد ترجع الأخصائية الاجتماعية، تيجاني ثريا، الانتشار الواسع للمعايدة الإلكترونية في المجتمع الجزائري إلى التغير في تركيبة المجتمع الذي أملاه التفتح على مختلف التكنولوجيات الحديثة من جهة، وتراجع العلاقات الأسرية من جهة أخرى، ناهيا عن التأثيرات الأزلية للتكنولوجيا التي أخذت مساحة كبيرة من ثقافة الشبان الذين أصبحوا يستعينون بها في كل المناسبات والظروف الاجتماعية، مضيفة أن الدور يأتي على الأصول في ترسيخ قيم التواصل وتبادل الزيارات العائلية في مثل هذه المناسبات الدينية.