تختلف قدرات الطفل المختل عقليا وطريقة تعامله مع محيطه الأسري والاجتماعي عن الطفل السوي بكثير، ما يستوجب على أهله التعامل معه بعناية براعية حاجياته النفسية والعقلية المعقدة، إلا أن هذه المعاملة الخاصة قد تؤثر على نفسية الأولياء وترهقه لما تتطلبه من وقت واهتمام كبيرين للعناية اللازمة بهذا الطفل. يصعب على معظم الأهل تقبل حقيقة إنجاب طفل متخلف عقليا، ويعتبرون ذلك بمثابة مصيبة كبرى تحل على العائلة بأكملها، كما يتملكهم الشعور بالقلق والحيرة شيئاً فشيئاً، ويتولد عندهم أحيانا الإحساس بالذنب، غير أن كل هذه المشاعر السلبية التي تسبق الولادة تحل محلها في أغلب الأحيان عاطفة محبة ورحمة قوية جدا تجاه هذا الكائن الضعيف، كما يتقبلون الوضع الصحي لطفلهم مع الوقت ويتعاملون معه بشكل طبيعي بل وبكثير من العناية الخاصة.. هذا هو حال عائلة خالتي فاطمة التي استقبلت خبر حمل طفل معاق ذهنيا بكثير من الأسف والقلق كذلك، غير أن عائلتها ساعدتها مع الوقت للتعامل مع الوضع بكل رحمة و مودة، وأصبح بذلك “مختار” الصبي المريض جزءا مهما من العائلة وأكثر فرد ينال الرعاية والاهتمام فيها، وهذا ما أكده كل أفراد هذه العائلة الذين يؤمنون أن حالة “مختار” ما هي إلا ابتلاء من الله تعالى لاختبار مدى إيمانهم وتمسكهم بالمبادئ الإسلامية التي تدفعهم للتكاثف والتعاون لرعاية “مختار” رعاية خاصة تتلاءم ووضعه الصحي والعقلي. الضغوط تبدأ قبل ولادته يبدأ قلق الأولياء وتخوفهم من مستقبل طفلهم المريض عقليا عادة قبل ولادتهم، إذ يحدث ذلك عادة خلال فترة الحمل عندما يكتشف الولدان تخلف طفلهما من خلال الفحوصات التي تجرى خلال هذه المرحلة، الأمر الذي تؤكد الدكتورة نسيمة أنه يسبب لهما العديد من المشاكل النفسية العويصة، تتعلق عادة بالتردد في تحمل مسؤولية إنجابه وكذا القلق الزائد على مستقبله، كما قد تحمل بعض الأمهات نفسها مسؤولية ذلك. كل هذه المواقف الحرجة مرت بها عائلة خالتي فاطمة لما أدركت أنها ستقبل على إنجاب طفل متخلف عقليا، إذ تقول الأم فاطمة إن خبر الحالة العقلية للجنين نزل عليها كالصاعقة ولم تدرك ما هي بصدد مواجهته، أما زوجها فكل ما كان يدور بخاطره هو القرار الذي يجب أن يتخذوه بشأن الإنجاب أو عدمه. وحسب خالتي فاطمة، فإن تحمل المسؤولية والرضا بالقدر كان لابد منه، إلا أنها لم تنفي قلقها وحزنها طيلة فترة الحمل، أما ولادته فكانت شبيهة بالموت الفعلي بالنسبة لها. ومن جهته قال زوجها:”إنه حاول مساندة زوجته نفسيا وإمدادها بالدعم المعنوي خلال حملها”كما أكد أن مواساته لها كانت بتذكيرها بالأجر العظيم الذي ستناله من الله عز وجل إذا أحسنت رعاية ابنها الضعيف”. تخوف الأهل من المستقبل كبير جدا بالرغم من صعوبة مهمة العناية بالطفل المختل عقليا، إضافة إلى كونها مرهقة من الناحية النفسية، فإن خالتي فاطمة وزوجها يؤكدان أن التخوف من المستقبل أكبر من معايشة الحاضر، وفي ذات السياق تقول: “كثيرا ما نقرأ على صفحات الجرائد عن مختلين عقليا قام أحدهم بقتل جاره، وآخر بالاعتداء على أحد أفراد أسرته، كما لا تكاد تخلو الأحياء الجزائرية من منظر أحد هؤلاء المرضى عقليا وهو يخاصم أو يتهجم على شخص ما.. كل هذه الأمور ترعبني لما أفكر أن ابني سيكون معرضا لارتكاب مثل هذه التصرفات الخطيرة”. من جهته يقول زوجها إن:”التحكم في الطفل في صغره أمر سهل، لأنني ببساطة أستطيع منعه من الاحتكاك بالخارج لتجنب المشاكل، أما إذا أصبح شابا سيصعب علينا التحكم به ومنعه من القيام بأشياء تروقه، لذا سيكون احتمال وقوعه في المتاعب و ارتكابه للأخطاء كبير جدا،الأمر الذي يثير قلقنا جدا”.وفي هذا الاطار، أكدت الأخصائية النفسانية (نسيمة.م) أن عائلة الطفل المختل عقليا تعاني عادة من مشاكل نفسية كثيرة تنتج عن الضغوط النفسية التي تسببها المعاملة الخاصة للطفل المريض، والتي تتطلب صرف الكثير من الجهد واليقظة المستمرة من الوالدين. كما قد يترتب عن ذلك زيادة الأعباء المالية نتيجة ما تستلزمه العناية بهذه الفئة الضعيفة من كلفة اقتصادية. كما أوضحت ذات المتحدثة أن أكبر مشكلة نفسية قد يعاني منها الأهل في مثل هذه الحالة، هي الاكتئاب الناتج عن الشعور بالعجز أمام حدة الضغوط التي يعاني منها أبناؤهم وكذا كثرة المسؤوليات الملقاة على عاتقهم. الإسلام يشجع الآباء على تحمل الابتلاء أكدت أستاذة العلوم الشرعية (حسيبة.م) أن أكبر ابتلاء من الله تعالى يكون في الأبناء لأنهم قرة عين الأهل وأملهم من الحياة، واعتبرت صبر الوالدين على بلاء إثبات وبرهان على قوة إيمانهم وصدقه. كما أشارت الأستاذة إلى أن الإسلام قد أولى اهتماماً كبيراً بكل فئات المجتمع وحرص على الرعاية الكاملة للضعفاء وذوي الاحتياجات الخاصة، كما يحث الإسلام على حسن معاملة الأبناء و الرحمة في تربيتهم، فكيف إذا كان هذا الطفل مريضا وغير قادر على استيعاب ما يدور حوله .لذا تقول الأستاذة حسيبة:”أن على أهل بيته منعه من الإفساد، والإتلاف، وكل ما يضر أويؤذي من الأفعال، والأقوال، وليُسلك في ذلك أفضل السبل لمنعه وكفه عن أفعاله المضرة، والمؤذية ولو بطريقة حازمة لأنه لا يُدرك ما يفعل، مضيفة إلى أن هذا لا يمنع حرص الأهل على التلطف معه. كما أن رضا الوالدين بمشيئة الله تعالى وتقبلهما بالواقع الذي عادة ما تترجمه رفضهما الإجهاض أمر إيجابي جدا يرضي الله تعالى.