القارئ الحيادي لتاريخ المجتمع العربي المسلم لا يجد أن حاضر المرأة العربية قد اختلف عن ماضيها رغم وصول المرأة في العالم إلى القمر، والمتتبع المترقب للثورات العربية التي شاركت فيها المرأة لا يمكنه أن يتفاءل بنتائج إيجابية حققتها النساء في الاستحقاقات السياسية التي تلت الثورات.. إن لم يكن قد أسيء إليها وإلى إنسانيتها أكثر، وهو أمر لا يختلف عما سبقها من مراحل وطنية أخرى، خاصة منها تلك التحولات السياسية الكبرى التي عرفها تاريخنا.. فواقعها الإنساني اليوم بكل ما حقق وما هو تحقيقه يذكرنا بمراحل حزينة من تاريخنا كانت المرأة ضحيتها بامتياز إذ أهينت بما فيه الكفاية ولم يستطع مجتمعنا أن يستوعب أنه قد انتقل من المجتمع الجاهلي الذي كانت توأد فيه المرأة مخافة إملاق، إلى مجتمع يحمل حضارة كبيرة للعالم تبنى على قوله عز وجل: "... إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم".. مجتمع كان بإمكانه وبما اكتسبه من مقومات نبيلة أن يغير في معاملة المرأة فيحمي كرامتها ويقدر إنسانيتها. ففي كل الفتن التي اكتسحت المجتمع الإسلامي، حتى لا أقول الثورات، كانت المرأة تعامل بشكل مهين دون مراعاة لأحكام الدين أو أعراف المجتمع، ومن بين بعض الأمثلة التاريخية الصارخة مثلا ما جرى للنساء في انتفاضة الخوارج، معاناة تكررت في التاريخ المعاصر ضد المرأة الجزائرية في مأساة التسعينيات، وحتى في الثورات العربية الحالية.. فها هي "غزالة الحرورية" زوجة "شبيب" الخارجي التي تذكر الأخبار أنها وصلت إلى مرتبة القيادة في قومها لدرجة تحدت فيها الحجاج بن يوسف بدخول الكوفة في الوقت الذي انكفأ الرجال عن مقارعته لما يعرف عنه من جبروت وبطش، دخلت غزالة الكوفة لتحقيق نذر نذرته على أن تقرأ سورتي البقرة وآل عمران في مسجد الكوفة..؟!!! ما دفع بالحجاج إلى التحصن في دار الإمارة، ودخل شبيب وأمه جهيزة وزوجته غزالة الكوفة عند الصباح، وخرجت غزالة بما أوجبته على نفسها ونفذت نذرها.. شجاعة غزالة وفروسيتها جذبت إليها اهتمام الكتاب وشعر الشعراء.. فقال فيها "عمران بن حطان" هذه الأبيات مفتخراً بها وبما قامت به من تحدٍّ: أسَدٌ عليّ وفي الحروبِ نَعامة ربداءُ تَجْفُلُ من صفيرِ الصافرِ هلاَ برزتَ إلى غزالةَ في الوغى بلْ كان قلبُكَ في جناحَيْ طائرِ صَدَعتْ غَزالةُ قلبَهُ بفوارس تركتْ منابِرَهُ كأَمسِ الدَّابرِ أَلقِ السلاحَ وخُذ وشَاحَيْ مُعْصر واعمدْ لمنزلةِ الجبانِ الكافر عن كتاب الأغاني للأصفهاني، (ص 20/314).
ويروي "ابن الأثير" في كتابه الكامل (ص 3/517)، أن" البثجاء" وهي امرأة من "بني يربوع " كانت تحرض على "ابن زياد بن أبيه" وتذكر تجبره وسوء سيرته للناس، فقيل لها "إن التقية لابأس بها!!". فقالت: أخشى أن يلقى أحد بسببي مكروها! لكن جبروت ابن زياد دفع به إلى قطع يديها ورجليها، ثم تعليقها في السوق ليراها العامة، فمر رأس الخوارج، أي كبيرهم، ويسمى "أبو مرداس" في السوق، ولما رآها معلقة عض على لحيته وقال: أهذه أطيب بالموت منك يا مرداس..؟ ثم أردف: ما ميتة أحب إلي من ميتة البثجاء.. أما ابن عبد ربه في كتابه (العقد الفريد ص1 /222) فيقول :" إن زيادا قتل امرأة من الخوارج ثم عراها، فلم تخرج النساء إلا بعد أن غادر زياد، وكنّ إذا ما أرغمن على الخروج قلن: لولا التعرية لسارعنا!!". هذا غيض من فيض في تاريخنا الطويل العريض، فهل تجدونه، قرائي الأعزاء، يختلف عن حاضرنا؟ ألم تختطف النساء ويغتصبن باسم الدين في العشرية السوداء بالجزائر؟ ألم تعر المتظاهرات المصريات من طرف قوات الأمن في ظل الرئاسة العسكرية بمصر باسم الحفاظ على الأمن؟ ألم تغتصب النساء وينكل بهن في سوريا الآن وقبلهن في العراق وأفغانستان للأسباب نفسها.. إما الدين وإما السياسة؟ هذه شذرات فقط من وقائع كثيرة ومخزية عاشتها النساء في تاريخنا لكننا لا نريد أن نعترف بفظاعتها، رغم أنها أصبحت من واقعنا اليومي، إنها الحقيقة المجسدة التي تعاظم خطرها، وجعلتنا فاقدين لإرادة التحول الإنساني الذي يحترم المرأة ويقدرها لشخصها فقط..؟ كيف لنا أن نطالب رجال اليوم أو المسؤولين عن المرأة في العمل وفي البيت باحترام المرأة وتحسين معاملتها، وهم لا يحترمون حتى أنفسهم.. كيف لشعوب تريد التطور والتقدم وهي تربط احترام المرأة بقطعة قماش لا تعبر أبدا عن جوهر المرأة الحقيقي.. ثم هل تغيرت معاملة الرجال للنساء اللائي يلبين هذا المطلب (الحجاب)..؟ إن ممارسات الرجال اليوم لا تفرق في المعاملة بين المرأة السافرة والمرأة المتحجبة.. ما يعني أن المشكل هو مشكل أخلاقي وإنساني بالدرجة الأولى تكمن جذوره في أخلاقيات المجتمع وتربيته وثقافته التي يستوحيها من شخوص أسرته ومن قادة مجتمعه ومن رواد تاريخه، والله إنه لأمر مخزي صدق فيه قول خير القائلين: "إن اللّه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".