ظلت المرأة الجزائرية تصارع عبر العصور من أجل تحسين وضعيتها في المجتمع. وعلى الرغم من الإنجازات التي حققتها الكثير من النساء، إلا أن بعض العقبات التي اعترضت سبيلهن، جعلت الكثيرات يتمنين لو كن رجالا، بعد أن عجرت القوانين الوضعية عن تحريرهن من قيود المجتمع. “متى ظلمت بسبب تاء التأنيث”، هذا السؤال الذي أماط اللثام عن العديد من التجاوزات التي ارتكبت في حق المرأة الجزائرية، هو سؤال جر وراءه الكثير من الدموع التي كتمتها صعوبات الحياة، واحالتها على ضفاف النسيان. لم نجد أدق من هذا السؤال لنتسلل من خلاله إلى حياة النساء الجزائريات، وواقع حياتهن بعيدا عن الشعارات الزائفة والاحتفالات الموسمية التي فقدت كل معانيها في مواجهة الواقع المرير، الذي جعل الكثيرات منهن يتمنين لو أنهن خلقن رجالا حتى يتجنبن الكثير من الأحداث التي لم تنصفهن. ومن خلال استطلاع خرجنا فيه إلى الشارع حاولنا التقاط بعض هذه الحالات، قد تبدو للكثيرين غير مهمة لأننا اعتدنا الحديث عن الناجحات فقط في هذا اليوم، ولكنها قهرت وحاربت الصعاب فقط لأنها أنثى. فتيات وشابات:”التعديلات الدستورية لم تحررنا بعد” اشتكت الكثير من الفتيات والنساء من تفشي العنف ضد النساء داخل المجتمع، خاصة مع الارتفاع الخطير للجرائم والاعتداءات الجسدية المسجلة ضدها، وعلى اختلافها وتفاوتها ترتكب هذه الجرائم في المحيط العائلي وبشكل جد عادي. واستنادا الى العديد من المعتقدات البالية تجد الفتاة نفسها تحت السلطة الأبوية وحتى الأخوية، ويعلق مصيرها بأشخاص يقررون عنها بالنيابة في كل شاردة وواردة، هو واقع مرير للأسف لازالت تعايشه الكثير من الفتيات داخل مجتمعنا وحتى في الولايات الكبرى. لعل هذا السبب الرئيسي الذي جعل الفتيات الجزائريات يتذمرن من هذه الوضعية التي وصفنها بالمأساوية، فالحكاية تشابهت تفاصيلها عند الكثير من الفتيات اللاتي التقتهم “الفجر”، فحنان، 20 سنة، على سبيل المثال، تتمنى أن تكون شابا حتى تكون حرة في الدخول والخروج وحتى ممارسة الرياضة التي تحبها يمنعها أخوها منها فقط لأنها فتاة متحجبة.. ولا يجب أن تركض في الملعب أمام الملأ. نفس الشيء بالنسبة لمنى، 22 سنة، التي يمنعها إخوتها حتى من الخروج إلى مكان غير الجامعة، وكأنهم يلغون وجودها في المجتمع. أما حسيبة، فقد حرمتها تاء التأنيث من أن تكون مضيفة طيران لأن بكل بساطة رجال البيت لا يرضون ذلك. أما سلاف، 23 سنة، فلم تخف رغبتها الجامحة في أن تكون رجلا بعدما حرمتها عائلتها من مزاولة دراستها، وعلى الرغم من أنها كانت متفوقة وحصلت على منحة للدراسة في الخارج، إلا أن عائلتها المحافظة لم تقبل أن ترسل ابنتها الى بلد أجنبي، متحججة بالشرع وكلام الناس. لذلك تحول الانتماء إلى منظومة نون النسوة إلى نقمة بالنسبة إلى الكثير من فتياتنا، اللاتي لم تحررهن كل القوانين والتعديلات الدستورية من قيود المجتمع. وسيدات يكشفن:”قانون الأحوال المدنية لم ينصف ضعفنا” من جهة أخرى، تقربنا من بعض السيدات لنكشف عن وجه آخر من الممارسات التي حولت حياة النساء إلى جحيم. وكم كانت كثيرة الحالات التي راحت فيها النساء ضحية العنف الأسري من طرف الزوج، وكم كثيرة كانت قصص النزاعات الزوجية التي أفضت الى فك هذه الرابطة، والذي يدين المرأة بعدما تجد نفسها حبيسة مجتمع يرفض كلمة “مطلقة” جملة وتفصيلا. استوقفتنا قصة نجية، 41 سنة، التي لم تتردد على الرغم من وجودها في الشارع من سرد قصة حياتها، وكأنها كانت تبحث عن منبر تصل به إلى عقول الفتيات، فهي عمدت إلى أن تسمع كل من حولها حكايتها مع إخوتها الذين طردوها من البيت بعد أن طلقها زوجها، لتجد نفسها في الشارع في مواجهة نظرات مجتمع لا يرحم المطلقة، وحتى تتمكن من تربية ولدها عملت في البيوت وطرقت الكثير من الأبواب حتى تتمكن من الوقوف على رجليها. وفي هذا السياق تقول:”رفضت أي مساعدة من طليقي لأنه إنسان قذر، لأجد العالم كله يعاقبني على تعففي من أموال الحرام، لذلك فأنا لم أكن أحتاج الى القانون وإنما إلى التفهم من عائلتي والرأفة لحالتي أنا وولدي”. أما السيدة فتيحة، 30 سنة، فعجز القانون عن حل مشكلتها مع زوجها الذي تنكر لكل وعوده قبل الزواج، بعد أن أوقفها عن العمل متحججا بطبيعته، وبعد أن حملت هي ترى أنه من المستحيل أن تطلق وبذلك فقد تحملت أن يتحكم زوجها في تسيير حياتها، وهي تلعن كونها امرأة ضعيفة منذ أن خسرت أغلى أمنياتها وطموحاتها. .. وللتحرش والعنف اللفظي حكاية أخرى مع الكثيرات لن يكتمل الحديث عن وضعية النساء في الجزائر دون طرق باب معاناة أخرى، تشكل هاجسا بالنسبة للكثيرات، يتعلق الأمر بالتحرش اللفظي الذي أصبح الرجال يتفننون فيه من أجل إزعاج الفتيات، فالكلمات البذيئة أصبحت تتهافت على مسامع النساء في كل حدب وصوب، ليتحول هذا التحرش إلى عنف معنوي يضطهد كل مرتادات الشارع دون التفريق بيتهن. وفي هذا السياق تقول ليليا:”لم يعد هؤلاء الشبان في الشوارع يميزون، ولا أحد يردعهم حتى أنهم أصبحوا يرمون الكلام الفاحش في كل مكان، وكأننا أذنبنا لأننا نساء”. نفس الشيء أكدته السيدة حورية، التي اشتكت من قلة احترام السيدات في الشارع وفي كل الأماكن العامة، فالرجال أصبحوا ينافسونهم حتى في المواصلات من أجل الظفر بالأماكن، وأي تذمر من طرفهن يجر وراءه الكثير من التعليقات الجانبية التي تصب مجملها في أن المرأة يجب أن تلزم بيتها حتى تحظى بكل الاحترام. كل هذا يحدث في مجتمع حقق العديد من التطورات في مجال حفظ حقوق المرأة، ووسط عيون آملة في التغيير تمنت الفتيات والنساء أن تجد العدل في حكم المجتمع.. حتى لا تحتاج إلى قوانين وضعية تكفلها فقط أروقة المحاكم.